الصيام والوظيفة

أخي الصائم:
لعلَّك تُشاركُني العَجَبَ من قومٍ جعلوا صيامَهم حُجَّةً لهم، وعُذرًا عن تقصيرهم في أداء واجبَاتهم على الوجه الحسن, فعلَّلوا تأخُّرهم في قدومهم إلى وظائفهم بأنهم كانوا نائمين، ونوم الصَّائم عبادة!! وعلَّلوا تراخيَهم عن إتقان أعمالهم بأنهم مرهَقون بسبب الجوع أو العطش، وللصائم الحق في أن يخفف عنه من جهد العمل ومشقته!! وعلَّلوا خروجهم المبكر قبل أن يستوفي وقت العمل حقَّه، بأنَّهم محتاجون لقضاء بعض اللوازم للإفطار!! وعللوا تذمرهم من المراجعين، وسلاطة ألسنتهم على الناس بأنهم – أستغفر الله – صائمُون!!فيا ليت شعري؛ كيف يفسّر هؤلاء أثرَ الصيام على أنفسهم،؟ وكيف يُفصِّلونه على قُدُودِ مشتهياتهم؟!

رمضان شهر العمل والبذل والعطاء، لا شهر الكسل والخور والضعف، شهر وقعتْ فيه أكبرُ الانتصارات في الإسلام في القديم والحديث، فلم يكن عائقًا عن أداء مهمَّة، ولا داعيًا للتقاعس عن إتقان عمل، ((إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه)).

حديث جليل لا يتخلَّف مراده بتغيُّر الأزمان، وقاعدة عظيمة لا تختل بظرف طارئ، كيف والصوم عبادة تؤدَّى لله، هدفها الأول تربية التقوى في النفس المؤمنة؟! يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183]، والتقوى وازعٌ إيماني عميق الجذور، إذا تغلغل في النفس كان حاجزًا مانعًا لها عن كل ما يسخط الله، ودافعًا قويًّا لها إلى كل ما يحب الله، والإتقان مما يحب اللهُ، وهو من صفات الكمال التي اتَّصف بها – عز وجل، قال تعالى: {الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل: 88]، فأولُ ثمرةٍ متوخَّاة مِن تقوى الله تعالى في العمل – مراقبتُه عزَّ وجلَّ في كلّ الساعات التي تُمضيها – أخي الموظف الصائم – وأنت تُمارس عملك، بأن تكون في مرضاة الله، وألا تضيع منها دقيقة واحدة في غير ما يخص وظيفتك، وأن تنشط لمهامك بوعي تام، وأن تكون في موقعك ينبوعَ أخلاق، ونهرَ عطاء، تتدفق بكل خير على مراجعيك، دون تذمر منهم، أو مشقة عليهم، فقد صحَّ عنه – صلى الله عليه وسلم – قولُه: ((اللهُمَّ مَن ولي مِن أمر أمتي شيئًا فشقَّ عليه، فاشقُق عليه، ومَن ولي من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم، فارفُق به)).

وصح عنه – صلى الله عليه وسلم – قوله: ((والصيام جُنَّة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب؛ فإن سابَّه أحد أو قاتله فليقُلْ: إنّي امرؤ صائم))، تخيَّل معي لو أنَّ كلَّ صائم منَّا حَمل هذه الرايةَ البيضاء، إذًا لبكى الشيطان بكاء مرًّا!! لأننا أفشلنا أكبر مؤامرة خَطَّط لها من أجل إفساد عبادتنا وذاتِ بيننا.

فما رأيك – أخي الصائم – أن تحمل الراية معي؛ لنكون في كوكبة الصابرين، ونواجه كل متحدٍّ لمشاعرنا، أو مستفز لأعصابنا بهذا الهتاف الإيماني: “إني امرؤ صائم”؛ بل فلنحاول أن ننصح زملاءنا في العمل ونذكِّرهم إذا رأينا منهم بعض ظواهر هذه الممارسات الخاطئة؛ فلعلنا نفوز باستجابة، ودعوة، ومثوبة.



اترك تعليقاً