ماذا عن الخدم في رمضان؟

أخي الصائم:
ها أنت ذا تقضي أياماً تفيض بالبهاء كما يهوى القلب التَّقي، وتتقلَّب في نعيم العبادة كما يتمنَّى العبد المحبُّ لمولاه, وتحرص على التخفُّف من أعمال الدنيا؛ ليَفْرُغ فؤادك لما هو أعزّ وأجلّ. فأهنِّئك بكلِّ هذا الثَّراء الربَّاني.
وأُذَكِّرُكَ – أخي الصائم – بأن هناك من يتمنَّى منك أن تلحظه بعين رعايتك، وشيءٍ من اهتمامك، ويود لو يُذَكِّرَك بنفسه. إنه مسلمٌ، يتمنَّى منك أن يحظى بخصوصيَّةٍ في المعاملة، تتناسب مع خصوصية رمضان.
إنهم تحت يديك، أجراء، يترقَّبون إشارتك، وينظرون مواضع نظرك؛ ليُلبُّوا لك كل طلباتك. خدمٌ، كانوا بين أهلهم أسيادًا، فأذلَّتهم الحاجة والمَسْكَنَة؛ حتى ساقوا نساءهم للخدمة في بيتك وبيوت بني ديارك – خارج ديارهم – مرغمين، وساقوا شبابهم سائقين وعاملين، يرضوْن بأدنى المِهَن، ويتغرَّبون من أجل رواتبَ زهيدةٍ، لا ترفعهم من حال الفقر إلى الغنى غالبًا، ولكنها تقيم أوَدَهم، وتشبع جوْعة أطفالهم، وتحفظ ماء وجوههم عن دنس الاستجداء وذلِّ المسألة.
أفلا تستحقُّ هذه الفئة منك لفتةً حانيةً تؤجر عليها في رمضان؟
إنهم مثلك مسلمون، يصومون كما تصوم، ويتمنون أن يقوموا من الأعمال الصالحة في هذا الشهر بمثل ما تقوم؛ فهلاَّ خفَّفتَ عنهم بعض الأعمال، وفرَّغتهم جزءًا من الوقت؛ ليفرغوا لقراءة القرآن أو صلاة القيام؟!
هذا هو أملي فيك، فكما أنك تسعى إلى فقيرٍ لتعطيه، وإلى محتاجٍ لتعينه، وإلى ملهوفٍ لتُغيثه؛ فلن تنسى إن شاء مَنْ هم في بيتك أو مؤسستك.
ودعني – أخي الصائم – ألتفتُ إلى صِنفٍ آخر منَ الناس لا يزالون قلَّةً – ولله الحمد – أعيذُك أن تكون واحدًا منهم، أولئك الذين تولوا على هؤلاء الفقراء فظلموهم، كثرت أموالهم، ولكنهم ماطلوهم في إعطائهم حقوقهم، وأخَّروا رواتبهم، والرسول – صلى الله عليه وسلم – يقول : ((أعْطِ الأجير أجرَه قبل أن يجفَّ عَرَقَه))؛ رواه ابن ماجه. وأمنوا هم في ديارهم، ولكنهم خوَّفوا هؤلاء الغرباء بقطع أرزاقهم، وإرجاعهم إلى ديارهم مقهورين مفلِسين، وأراحوا هم أجسامهم، وأرهقوا هؤلاء البؤساء بالأعمال المضنِيَة، ولم يفرِّقوا حتى بين رمضان وغيره، فبينما هم زادوا لأنفسهم ساعات النَّوم والرَّاحة – تركوا هؤلاء المساكين يَشْقُون ليل نهار، بعد أن خلط الناس بين الأوقات في رمضان، فلا يكادون يجدون وقتًا يلتقطون فيه أنفاسهم مع هؤلاء الأسياد – عفوًا – الظَّلَمَة لأنفسهم ولغيرهم.
يقول الرسول – صلى الله عليه وسلم -: ((نعم، هم إخوانكم، جعلهم الله تحت أيدَيكم. فمن جعل الله أخاه تحت يده؛ فليُطعمْهُ مما يأكل، وليُلْبِسْهُ مما يلبس، ولا يكلِّفْه من العمل ما يَغْلِبَه، فإن كلفه ما يَغْلِبَه؛ فليُعِنْهُ عليه))؛ رواه البخاري.
ولا أدري؛ كيف أمِنَ هؤلاء من عاقبة الظُّلم، والرسول – صلى الله عليه وسلم – يقول: ((اتقوا الظُّلم؛ فإن الظُّلم ظُلُماتٍ يوم القيامة))؛ رواه مسلم؟! وكيف لم يقلقوا بعد ظلمهم – خوفًا من دعوةٍ ليس بينها وبين الله حجابٌ؟!.
أخي الصائم:
كما ترجو الأجر في صيامك وقيامك، فاطلُبْه في التخفيف عن خدمِك وعمَّالك في هذا الشهر، وإسداء المعروف لهم، والسَّماح لهم بأداء العبادات والطاعات، حتى لو كانت تستدعي سفراً إلى مكَّة لأداء العمرة؛ فلتحتسبْ ذلك عند الله؛ فإنما هي فرصةٌ ثمينةٌ لهم ماداموا بين ظهرانينا، قريبين منَ الحرم، ولك في ذلك الأجر – إن شاء الله.


اترك تعليقاً