من آذاك أكثر؟

من كان أكثر إيذاء لك في حياتك؟ كان هذا هو السؤال الذي طرحه موقع المستشار التابع لمركز التنمية الأسرية بالدمام، على الشبكة العنكبوتية، فشارك أكثر من ألف وستمائة زائرة وزائرة، وكانت النتائج مذهلة!!

لا أدري هل سيقبل أحمد شوقي أن يبقي ـ في ديوانه ـ بيته الذي قال فيه لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : وإذا رحمت فأنت أمٌّ أو أبٌ، هذان في الدنيا هما الرحماءُ، لو أنه اطلع على نتيجة هذا الاستطلاع العام؟ أم أنه سيكتب قصيدة اعتذار لمقام المصطفى، ويكرس المعنى الذي دبجه في بيتيه: ليس اليتيم الذي انتهى أبواه من هم الحياة وخلفاه ذليلا، فأصاب بالدنيا الحكيمة منهما، وبحكم تربية الزمان بديلا، إن اليتيم الذي تلقى له أما تخلت أو أبا مشغولا..

وليست المسألة هنا مسألة غياب وانشغال، وكفى به إثما، ففي الحديث الصحيح: “إن الله سائل كل راع عما استرعاه حفظ أم ضيع” زاد في رواية: “حتى يسأل الرجل عن أهله بيته”، ولكن الأمر أسوأ من ذلك، حين يتحول الرحيم إلى ظالم، والحاني إلى معنف، والمؤوي إلى سجان، والحامي إلى حرامي، والوالد إلى غريم، والأم إلى حقود، هكذا قال أكثر من (450) إنسانا عربيا، يمثلون 28% من المشاركين الذين زادوا عن 1650، بينما توزع الباقي على غير الوالدين، وهم أحد الأقارب 21%، ثم أحد الإخوة 15%، ثم أحد الأصدقاء 10%، ثم أحد المعلمين 9%، ثم من لا علاقة لك به 9%، وجاء في المرتبة الأخيرة أحد زملاء الدراسة أو العمل 8%.

وواضح أن الأقارب وعلى رأسهم الوالدان هم أكثر الناس إيذاء، فلماذا؟ وإلى متى؟ وما آثار ذلك الآنية والمستقبلية على الشخص وصحته النفسية والبدنية؟ وما آثار هذا العنف الأسري المتزايد على مستقبل الحياة العامة في بلادنا؟ وعلى التنمية بشكل عام؟!!

أسئلة لن يتسع لها مقال، ولكن لا بد من إجابات صريحة وخاطفة..

أما لماذا؟ فلأن من أمن العقوبة أساء الأدب، وحتى الآن ليس لدينا ـ من الإجراءات الرسمية المحددة ـ ما يكفي لحماية الإنسان في عقر داره، أو لا نعرفها، فالخوف من الفضيحة، والفهم الخاطئ لبر الوالدين وعقوقهما، والتسلط الأبوي الموروث والمحمي ضد التغيير من لدن مواضعات اجتماعية خاطئة، تجعل الوالدين يظنان أن من حقهما التعذيب باسم التأديب، حتى نال ذلك الرضع في مهادهم، والأطفال في أحضان أمهاتهم.

وأما إلى متى؟ فحتى يتحول اهتمامنا بنشر الثقافة الأسرية إلى مستوى اهتمامنا بالتعليم والأمن والصحة، فهي أساس لكل ذلك بلا ريب.

وأما عن الآثار فما أقساها!! إن أول من سيدفع الثمن هما الوالدان، فثمرة العنف عنف، وثمرة عقوق الولد عقوق الوالد، ومن غرس الكلمة الخبيثة فلن يجني إلا خبثا!!

إن التعنيف جمرات من التاريخ تبقى تنزُّ لهيبا كلما مرَّت بها رياح الحياة، فلن ينسى الابن ولا البنت تلك المعاملة التي تفتقد روح الأبوة، وتنبع من انتقام مغلف بالحرص على مصلحتهما، لا ليس ذلك من التربية في شيء، ومن احتج بنفسه، وأنه تربى بالكفوف واللكمات والإهانات، وأنه أصبح رجل الدنيا وسيدها!! لا .. فلو بحثتَ في نفسك لوجدتَ ما لا ترضاه من غيرك.. قد انغرس في جذور أخلاقك.. فلماذا تتكرر التجربة؟!



اترك تعليقاً