(الأحساء) تلك الواحة المترقرقة نضرة وخضرة ، على ثراها الخصب نهضت حضارات ومن أجل عيونها النجل تدافعت جيوش ، سلة الغذاء التي لا تعتذر وينبوع العطاء الذي ظل منهمرا في أحلك السنين التي أهلكت الحرث والنسل في مساحات شاسعة من حولها ، اختزنت فى فؤادها ثروتين نفيستين على مر الدهور الماء والزيت ، واحتفظت مع ذلك كله بميراث العلم الأدبي فلم ينقطع سندهما ، ولم تظمأ يوما ما من عدمهما .
وللأدب فيها قصة طويلة منذ عرف الأدب العربي ، تتابعت فصولها دون انقطاع حتى يومنا هذا ، وطرفة بن العبد والصلتان العبدى وابن المقرب العيوني وابن مشرف علامات بارزة في خريطة الشعرالعربي عموما .
وإذا كان مؤرخو الأدب العربي يكادون أن يجمعوا على أن بداية النهضة الأدبية المعاصرة كانت في مطلع القرن الرابع عشر ، فإن الأحساء سجلت في هذه الفترة حضورا قويا بعدد من أدبائها وجودة نتاجهم على مستوى الجزيرة العربية كلها ، إذ برز عدد ممن عرفوا بالعلم الشرعي واللغوي في مجال الأدب عموما والشعر خصوصا ، وخطوا به خطوات جعلت بعض نتاجهم ينتمي إلى عصور الازدهار في الأدب منذ العصر الإسلامي وحتى نهاية العصر العباسي ، أكثر من انتمائه إلى عصور الضعف الأدبي في العصرين المملوكي والعثماني وظهرت براعتهم في صياغتهم لمؤلفاتهم الشرعية واللغوية صياغة أدبية رصينة .
ومن أبرز أدباء تلك الفترة الشيخ عبد العزيز بن عبد اللطيف آل الشيخ مبارك، والشيخ عبد الله بن علي آل عبد القادر ، والشيخ عبد العزيز بن حمد آل الشيخ مبارك ، والشيخ عبد العزيز العلجي عليهم رحمة الله جميعا .
ومنذ منتصف العقد السادس في القرن الرابع عشر الهجري ، بدأت المنطقة في الاتصال بحركات التجديد في الأدب عن طريق سفر بعض الأدباء إلى البلدان المجاورة إلى البحرين ودبي والعراق ، واستطاعت أن تتصل بالحواضر العربية الكبرى ، التي كانت تعج بحركات التجديد في فنون الآداب المختلفة عن طريق الصحف والمجلات الأدبية ، ثم عن طريق الوافدين أو البعثات التعليمية ، وكان اعتماد الأدباء في البداية على التثقيف الذاتي لعدم توافر الفرص التعليمية في المعاهد والجامعات ، ثم شيئا فشيئا أخذت الجامعات تقدم عطاءاته المتميزة لتسهم في إعداد جيل متطلع انطلق به أدب المنطقة إلى جوانب أرحب ، ووصل صوته إلى مدى أوسع ، ولعل من أوائل من ظهرت مشاركاتهم الأدبية في الصحف العربية والمحلية منذ وقت مبكر الأستاذ أحمد بن راشد المبارك ، والشيخ عبد الله الرومي والشيخ إبراهيم آل عبد القادر ، والدكتور راشد بن عبد العزيز المبارك الذي لا يزال بيته في الرياض منتدى للأدب والعلم . شأنه في ذلك شأن شيخ أدباء الأحساء الشيخ أحمد بن علي آل الشيخ مبارك ؛ الذي لاتزال أحديته في طليعة المعالم الحضارية والعلمية والأدبية في الأحساء، ومن أبرز الأسماء التي تلت هذا الجيل الأستاذ عبد الله الشباط والأستاذ محمد العلي ، ثم الأستاذ خليل الفزيع والأستاذ محمد الصويغ والأستاذ مبارك بوبشيت والأستاذ يوسف أبوسعد والدكتور علي آل عبد القادر ، ثم الدكتور سعد الناجم والأستاذ عبد اللطيف الملا والشيخ عبد اللطيف العقيل ، والشيخ علي السنني ، والأستاذ عبد الرؤوف الغزال والدكتور يوسف بن عبد اللطيف الجبر والأستاذ يوسف العطوي والأستاذ سلمان الجمل والأستاذ فيصل الحليبي .
وأما فن القصة القصيرة الذي بدأ ظهوره في الأحساء منذ العقد السابع في القرن الماضي ، فقد كان الأستاذ خليل الفزيع أول من أصدر مجموعة قصصية في الأحساء عام 1397هـ ، بعنوان الساعة والنخلة ، ثم الأستاذ محمد الصويغ ثم الأستاذة بهية بنت عبد الرحمن بو سبيت ، ثم الأستاذ ناصر الجاسم ثم الأستاذ فهد المصبح والأستاذ عبد الله الوصالي .
واختص عدد من الجامعيين في الأدب والنقد ، مثل الدكتور عبد الله المبارك، والدكتور عبد السلام العبد السلام والدكتور نبيل المحيش والأستاذ عبد الرحمن الموسى والدكتور خالد الدنياوي ، والأستاذ محمود الحليبي .
ولا أنسى أن أذكر بشخصية تجمع عددا من المواهب هو الأستاذ عبد الرحمن بن عثمان الملا الذي كتب في التاريخ والحضارة والنقد الأدبي والمسرحية والشعر .
وأما الشعر فإن شعراء الأحساء أدركوا الركب الشعري المنطلق في سائر الوطن العربي في جميع اتجاهاته ، فلا يزال للشعر المحافظ صولته وجولته ، كما أن عددا من الشعراء أخذوا بحظ وافر من التجديد في المضامين والأشكال ، مع محافظتهم على أصالتهم وارتكازهم على موروثاتهم ، مثل الأستاذ يوسف أبو سعد والأستاذ مبارك بوبشيت والأستاذ جاسم المحيبس والأستاذ جاسم الصحيح والأستاذ محمد الجلواح والأستاذان محمود وعبد العزيز الحليبي والأستاذ ناجي الحرز والأستاذ عبد الرؤوف العبد اللطيف والأستاذ جلال العلي والأستاذ أحمد العمير والأستاذ زكي الحريول والأستاذ صلاح بن هندي ، وانتهج بعضهم نهج الحداثة في الأدب والشعر مثل الأستاذ أحمد الملا والأستاذ إبراهيم الحسين والأستاذ صالح الحربي والأستاذ أسامة الملا.
وأخير تلك إلماحة لا يليق حجمها بحجم الحركة الأدبية والشعرية في الأحساء، ولكن لعل فيما ذكر ما يشير إلى ما هو أكبر وأهم ، وعذرا لكل من ند عن ذكره القلم .. والله الموفق .
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.