صناعة التنمية الأسرية

1 –  من خلال تجربتكم في المركز ما هي المشاكل الأكثر تفاقماً في المجتمع؟

أولا أشكر لك سعيك في هذا الاتجاه الذي بتنا في أشد الحاجة إليه؛  في وقت أصبحت فيه الأسرة في مهب الرياح العاتية، كثير مما حولها من إعلام وظروف حياتية صاخبة تلجئها إلى التفكك، والقلق والانعزالية، بل وربما إلى الطلاق والجنوح.

ولعلنا في مركز التنمية الأسرية في الأحساء، قدمنا تجربة لا تزال في طور النمو، ولكنها استطاعت بفضل الله تعالى أن تحقق نتائج في كل الأصعدة؛ الطلاق حيث انخفضت النسبة بعد أول سنة من العمل، إلى 14% فقط، وتعد الأقل بين مثيلات الأحساء من المناطق والمحافظات في المملكة العربية السعودية، وانتشر الوعي الأسري بين أفراد الأسرة الواحدة، وازدادت أعداد المقبلين على التثقيف الأسري، ولعل الأرقام تثبت انخفاض العنف الأسري، وارتفاع مستوى الإبداع بين الأولاد والبنات.

ولكن لا يعني هذا انحسار المشكلات تماما، فمن طبيعة الحياة أن يكون فيها مشكلة وحل، وتبقى المشكلات الأكثر هي الزوجية حيث تمثل ما يقارب 40% من المعروض على الهاتف الاستشاري، تليها الأسرية العامة 21%، ثم يتقاسم الباقي التربوية والنفسية وإدمان المخدرات والخمور، ومشكلات أخرى.

والموضوعات الزوجية الأكثر إثارةً هي: الشكوك الزوجية، والمشكلات النفسية الناشئة عن العلاقات الزوجية المضطربة، والخلافات بين أهل الزوج والزوجة، وعدم تفرغ الزوج لأهل بيته، وكثرة طلبات الزوجة، والبرود العاطفي بين الزوجين، والتعدد وآثاره، والإساءة النفسية والجسدية بين الزوجين، وضعف شخصية الزوج، وعدم الاقتناع بالزواج، وهجران الزوج لزوجتة أو العكس.

2- بالتأكيد بدون ذكر ما يشير إلى الشخصيات الحقيقية، ما هي أقسى الحالات الإنسانية التي وردت عليكم، حالة أو اثنتين إذا تفضلتم؟

من المعتبر عند المركز ألا نبوح بأية حالة وردت الهاتف، ومن يطلب عدم نشر حالته في الموقع فإننا نفي له بطلبه، ولكن أشير إلى عموميات تشترك فيها عدد من الحالات، ولعل أبرزها الاعتداء الجنسي بين المحارم الذي قد يصل إلى حدوث الحمل في ظروف غامضة، وحرمان البنت من الزواج وربما حتى من الدراسة والخروج من المنزل حتى تصل إلى مرحلة المرض النفسي، وجنوح الولد المراهق حتى يهرب المنزل، وظلم الرجل لأهل بيته حتى يتحول إلى دكتاتور يشل حركة الإبداع والنجاح في جميع أفراد أسرته، ويسلبهم لذة الحياة وهناءتها. ولعل من أراد أن يقرأ التفاصيل التي أذن أصحابها بنشرها، سيجدها على موقعwww.almostshar.com؛ حيث نشرت أكثر من خمسة آلاف حالة.

3-كيف يكون تعاطيكم مع المشاكل الحيَّة التي تأتيكم مباشرة وليس عن طريق موقع المستشار، وماذا أنجزتم في الفترة الماضية؟

لدينا في المركز مكان خاص لاستقبال الحالات الحضورية، وتحت سرية تامة، وقد بدأنا بأعداد نادرة، ثم في السنة الثانية بأعداد قليلة وصلت إلى ثلاثين حالة أو أكثر بقليل، ثم تلقينا في السنة الثالثة من عمر المركز ستا وستين حالة؛ مما يعني ارتفاع مستوى الوعي الاستشاري في البلد، ولعله يعكس ـ كذلك ـ ازدياد ثقة الناس في المركز ومستشاريه. وكل هذه الاستشارات تقدم مجانا للمواطنين والمقيمين. ويحتفظ إرشيف المركز بعدد من المقولات الرقيقة التي عبر فيها المستشيرون والمستشيرات عن مشاعرهم الفياضة بعد انكشاف الغمة وتفريج الكربة، وانقشاع غيمة المشكلة.

4 ـ عرج بنا في إطلالة سريعة على منجزات المركز الماضية.

قدم المركز في سنواته الماضية عددا من الأنشطة التي تستهدف تنمية الحس الاجتماعي، ونشر كلمة الحب في البيوتات بمعناها السليم، وعني عناية فائقة بالبرامج الوقائية؛ كالتدريب الذي وصل إلى أكثر من 5500 متدربا في عام واحد في الأحساء وحدها، شمل جميع القطاعات، وجميع الفئات، الصغار والكبار، والنساء والرجال، بل شمل المستفيدين من جمعيات البر، والأيتام ونزلاء السجون، وبنات الدور الإيوائية، وموظفي الدوائر الحكومية والقطاع الخاص. ومثله البرامج العامة من محاضرات ودروس ومنتديات أسرية، بلغ المستفيدون منها أكثر من 35500 رجل وامرأة. إلى جانب المواد الإعلانية التي شارفت على مئة وثمانين ألف مطبوعة. عدا البرامج الإذاعية والتلفازية والأعمال الصحفية. وقد شجع المركز في الاشتراك عن طريقه في حوالي 900 اشتراك في مجلات أسرية منوعة تصدر في المملكة العربية السعودية، عدا عدد من الأنشطة الأخرى؛ كإصلاح ذات البين؛ حيث بلغ النجاح فيها من 52% إلى 72%، وهي نسبة عالية من فضل الله؛ لأن القضايا محولة بعد أن وصلت إلى حالات طلاق، أو فساد ذات البين، وأما الاستشارات فقد احتضن أكثر من اثني عشر ألف استشارة على الهاتف فقط، قدمها خمسون مستشارا ومستشارة، من أكثر من سبعين محافظة ومنطقة وقرية وهجرة في بلادنا الحبيبة، أو من بعض دول الخليج، وغيرها كذلك، وهي مخدومة إلكترونيا؛ حيث أنتج المركز برنامجا حاسوبيا يعد الأفضل على مستوى الخليج فيما اطلعنا عليه، والمركز الآن يسوقه على مراكز الاستشارات المثيلة.

5 ـ وهل هؤلاء المستشارون والمدربون مؤهلون لهذه المهمات الخطيرة؟

بالتأكيد نعم، فإن المركز معني منذ البدء بإعداد الكوادر في كل ما يقوم به من أعمال؛ وقد قدم ولا يزال يقدم للمتعاونين معه، والقائمين بأعماله كل ما من شأنه الرقي بهم والإعداد وزيادة الخبرات والتأهيل للوصول إلى النجاح فيما يقدمونه من استشارات أو برامج. ومن ذلك البرامج التدريبية قصيرة المدى، واستضافة كبار المختصين في مجال الأسرة والإرشاد، وإهداء الكتب والأشرطة التي تزيد من ثقافتهم، ثم قدم دبلوما للإرشاد الأسري والنفسي معتمدا من كلية المعلمين التابعة لجامعة الملك فيصل بالأحساء، وقد التحق به حوالي 70 دارسا ودارسة، ويسعى المركز إلى تسويقه كذلك لتوسيع دائرة الاستفادة منه.

6ـ ما خططكم المستقبلية لتفعيل دور المركز بشكل أوسع؟

الخطة الحالية لعام 1429هـ حافظت على البرامج الناجحة السابقة، وطورتها، وجددت في كل قسم، ففي قسم الاستشارات يعزم المركز على فتح هاتف الفتيان والفتيات والأطفال على الرقم السابق (920000900) ، في وقت مختلف عن الوقت الحالي، الذي يمتد أربع ساعات كل يوم بعد المغرب ما عدا الخميس والجمعة، وفي مجال التدريب بدأ المركز بتنفيذ برنامج متوسع في إعداد وتأهيل المقبلين على الزواج، يشمل الجوانب الأربعة الشرعية والنفسية والصحية والاجتماعية، في ثلاثة أيام، بعد أن كان يقدم في يوم واحد فقط في المجالين النفسي والاجتماعي فقط، كما يعزم على التعاون مع بعض الأكاديميات؛ لتقديم دبلومات تأهيلية في جوانب حياتية متعددة، بل ويخطط لإقامة معهد للتأهيل، والفكرة الآن في طور الدراسة الجادة. وفي قسم البرامج تشمل الخطة الجديدة النزول إلى الأسواق؛ لتقديم برامج في المجمعات التجارية؛ مليئة بالبهجة والفرحة محملة برسائل الحب الأسري، وضرورة التواصل بين أفراد الأسرة الواحدة، وفي قسم الدراسات والأبحاث تشمل الخطة تقويم المستشارين والبرامج الاستشارية علميا، ودراسة المجتمع في الأحساء والمنطقة الشرقية للتعرف على أبرز مشكلاته وترتيبها أوليا. وفي قسم إصلاح ذات البين تشمل الخطة التوسع في عدد المصلحين، وإعدادهم علميا؛ والسعي لزيادة التعاون بين المركز والمحكمة، وأملنا أن نصل إلى كل قضية طلاق قبل أن تصل إلى الفصل فيها لدى أصحاب الفضيلة القضاة؛ لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا. وفي قسم الإعلام سوف يصدر المركز عددا من الدروس والمحاضرات والمهرجانات التي تمت فيه خلال الفترة الماضية في شكل سيديات وأشرطة صوتية ومرئية، كما ينوي وضع حاملات مطويات وكتب في مئتي موقع في الأحساء؛ لتوسيع دائرة الاستفادة منها، كما أطلق المركز هذا العام جواله الأسري بباقاته الخمس؛ الأخبار الأسرية، (1) والشباب (2)، والفتيات (3)، والزوج (4)، والزوجة (5)، ويمكن لأي شخص داخل المملكة الاشتراك بإرسال أي رقم منها حسب رغبته إلى الرقم (88517) لمشتركي الجوال ، ولمشتركي موبايلي: 605762 . وفي الدبلوم الأسري يجري تطويره ليكون دبلوما عاليا بعد الجامعة، كما يجري إعداد حقيبة تدريبية في الحوار الأسري، نأمل أن تعمم على مستوى المملكة بإذن الله. كما يعد المركز لملتقى تدريبي في المجال الأسري يدعى له جميع المستشارين والمستشارات في أنحاء المملكة، يدرب فيه مدربون عالميون في هذا المجال، يتم من خلاله تقييم الذات، ومدى الحاجة إلى التطوير الذاتي للوصول إلى الأفضل. وفي الصيف يجري الإعداد لإقامة برنامجين يمتد كل منهما أكثر من شهر، الأول: مهارات الحياة للفتيان، والآخر مهارات الحياة للفتيات، والبرامج الجديدة كثيرة، ولعلنا نفاجئ بها مجتمعنا من حين لآخر بإذن الله وعونه وتوفيقه.

7- إذا كُنا نُقدم هذا الطرح من منطلق أهمية هذه المراكز لتأهيل الأفراد بشكل أكثر وعياً في التعاطي مع المواقف التي تواجههم، حتى لا يكسر أحدهم أشرعة سفينته في لحظات حيرة وعجز عن التفكير بينما بإمكانه بشيء من الوعي والمساعدة أن يصل بسفينته إلى بر أمان، وحتى يكون ذلك، كيف يمكن تفعيل شأن المراكز الإرشادية الاستشارية، وهل ترون الأفضل أن يكون على مستوى الحارات، أو المدينة؟

دعيني أنقل لك رسالة جوال جاءت من إحدى المستفيدات؛ استأذنتها في نشرها، تقول: “الرسالة قليلة بحق هذا المركز، بحثت عن حلول لمشاكلي فلم أجد من يستمع إلي، ولا تزيد المشكلة إلا تعقيدا، فوجدت في هذا المركز الذي لا ينبع منه إلا الحكمة والموعظة الحسنة أن المشكلة الكبيرة أصبحت صغيرة، جميل أن يستمع إليك إنسان صاحب حكمة تذوب المشكلة بين يديه، وتصبح تافهة. ألف ألف ألف شكر. اللهم اجعلها في موازين أعمالكم.. لن أنسى حنانكم وعطفكم أبدا ما حييت”.

هذه الرسالة تمثل صورة من صور كثيرة ولله الحمد والمنة تقابل من المستشارين والمستشارات والمصلحين، بالشكر والدموع كل آونة وأخرى.

وإني لأحمل مسؤولية النهوض بهذه المراكز ودعمها كل من يستطيع أن يبذل من حياته وماله وعلمه وجاهه ومنصبه ما يستطيع به أن ينقذ حائرا، ويدل تائها، ويحمي عرضا، ويفرج كربة، وينفس عن مهموم، ويعيد الألفة بين قلوب أوشكت على التبعثر والتنافر.

بل إني أدعو إلى أن تنشر مراكز الإرشاد الأسري في كل حي، كما تنتشر مراكز الصحة، وليس الجسد أهم من الروح والنفس والقلب، ومن تفعيلها إعداد الكوادر القادرة على التعامل مع المشكلات قبل أن يفتتح أي مركز، ويمكن كذلك افتتاح فروع للمركز الأساس في كل فروع جمعيات البر، أو تيسير الزواج ورعاية الأسرة.

  1. 6    8- ألا تعتقدون أن الأسر المتواضعة التعليم والدخل هي الأكثر احتياجاً لمثل هذه المراكز؟ إذا كانت الإجابة: نعم، ألا ترون أن هذه الأسر ستواجه مشكلة أخرى كي تحل مشاكلها.. وهي قلة الموارد وتواضع الدخل، بمعنى أن العامل المادي سيشكل عائقاً إذا كانت هذه المراكز باهظة التكاليف أو حتى مرتفعة نوعاً ما، وعليه فلن تكون هناك نهضة على نطاق الاستقرار الأسري، وسنقف حيثُ نحن؟

دون شك فإن الأسر القليلة الثقافة أكثر احتياجا، مع أننا وجدنا أن أساتذة جامعات، وأطباء ومهندسين في أمس الحاجة للثقافة الأسرية والنفسية!! ولكن مثل مركزنا لا يتقاضى على خدماته أية أموال قليلة ولا كثيرة، ولذلك فهو متاح للجميع.

9- كيف كان تجاوب الناس مع تجربتكم التي بلغنا أنها الأكثر قوة، وما الذي يحتاجه المركز في المرحلة الحالية كي يبلغ الناس بشكل أوسع؟

كان التجاوب من جميع فئات المجتمع منذ البدء كبيرا وواسعا، وأعداد المستفيدين من المركز تزداد طردا مع كل برنامج يقدم، وهنا أشكر كل المتفاعلين مع مناشط مركزنا بالمال والجهد والعلم والتأييد، وفي مقدمتهم صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن فهد بن عبد العزيز آل سعود أمير المنطقة الشرقية، وسمو نائبه الأمير جلوي بن عبد العزيز بن مساعد ابن جلوي آل سعود، وسمو محافظ الأحساء الأمير بدر بن محمد ابن جلوي آل سعود رعاهم الله، على ما يقومون به من رعاية خاصة وتشجيع كبير لمركز التنمية الأسرية في الأحساء والدمام، وكذلك مجلس إدارة جمعية البر في الأحساء وفي الشرقية، على دعمهم المتواصل للمركزين. ولك أنت شكري على إتاحة هذه الفرصة.

وأما ما يحتاجه المركز في مرحلته القادمة، فهو الأوقاف الدائمة على مشروعاته.



اترك تعليقاً