جريدة اليوم/ الأحساء ـ أ. عبد الله الخضير
- v التجربة الشعرية الأولى تظل عالقة في الأذهان ، تحفظها الذاكرة ، كيف كانت البداية ، وكيف تطورت ؟
بدأت رحلتي مع الشعر منذ المرحلة الابتدائية؛ حيث كنت أحفظ عددا من القصائد ، أنشدها في الطابور الصباحي ، وألقى تشجيعا خاصا من معلمي اللغة العربية ، ثم تطورت إلى محاولة الكتابة في المرحلة الثانوية ، حيث دفعني أحد أصدقائي إلى الاشتراك في مسابقة شعرية أقامها مكتب رعاية الشباب في الأحساء ، فكتبت قصيدة بعنوان : ( حنين إلى خلق النبي r ) ، ففازت بالمركز الأول ، فكانت دافعا قويا لي للمضي في هذه الطريق ، ثم انكببت على دواوين الشعراء قديمهم وحديثهم بشتى اتجاهاتهم ، خلال دراستي للغة العربية وآدابها ، مستفيدا من عدد من الأعلام الذين درسوني في كلية الأحساء وكلية الرياض ، خلال ذلك كتبت ما ضممت معظمه في ديواني: ( قلبي بين يديك ) الذي صدر عام 1413هـ والذي فاز بالمركز الثاني في مسابقة أبها ، بعد ديوان الشاعر المبدع ( يحيى السماوي ) ، ثم حاولت تطوير تجربتي فكتبت على أوتار جديدة ستصدر قريبا إن شاء الله في ديواني الجديد : ( قطرة على جناح الغادية ) ، أرجو أن أكون اقتربت فيها أكثر من عالم الشعر الذي أتمناه.
- v كانت لك هذه السنة مشاركة في المهرجان الوطني للثقافة والتراث ( الجنادرية ) ، ماذا تمثل لك هذه المشاركة ، وخاصة أنها المشاركة الأولى لك في محفل ثقافي عربي على مستوى الجنادرية ؟
الواقع هذه ليست المشاركة الأولى في مهرجان الجنادرية ، بل الثالثة ؛ حيث اشتركت سابقا في أمسيتين شعريتين ؛ الأولى شاعرا والأخرى مديرا لأمسية ، ولكنها ـ في هذا العام ـ تعد الأهم ولاشك ؛ فإن قصيدة الافتتاح في حضور على هذا المستوى الرفيع من رجال الدولة والثقافة والأدب في بلادنا والبلاد الأخرى ، وتنقل على فضائية المملكة ، هذا أعطى المشاركة زخما إعلاميا كبيرا شرفت بأن أكون أحد من شاركوا فيه ، وقالوا الكلمة التي تمثل بلادهم وأمتهم في هذا الزمن العصيب الذي نعيشه ، ومثل هذه المناسبات توسع دائرة الشاعر ، وتخصب آفاقه في مجالات كثيرة ولا شك . وقد شاركت من قبل في مناسبات وطنية عديدة حضرها عدد غفير من رجال الدولة والثقافة في بلادنا ، وفي كل مرة أشعر بالنمو ، ولا أزال في أطواره التي لا تنتهي .
- v أذكر لكم عبارة في أحد الحوارات (( إن الشاعر والناقد مهمته أن يغزل مادة الأدب الخام ؛ لتكون منديلا يمسح به دموع المحرومين ، وراية تخفق في أيدي الذائدين عن حرمات أقوامهم ، وثوبا زاهيا يشارك به في أفراح مجتمعه ، وجمرا يذروه في عيون المغتصبين أو الظالمين )) ، هل هذه هي نظرتك في مهمة الأديب .. أم ماذا ؟
هي كذلك . ولا يعني ذلك أن أتناسى الجمال الفني ؛ فبه يسمى القول أدبا ! وإلا فهو نوع من الثقافة .. بل لا يعد شيئا يستحق القراءة أحيانا !! ولكن ما ذكرته هو وظيفة الأدب التي تسمو على العبثية ، أو ما يسمى خطأ ( الفن للفن ) ، ولا سيما في الزمن الذي تمر فيه أمتنا بمحنة عظيمة ، أعد من الخيانة تنكب قضيتها والالتهاء الكامل بمفردات الحياة العادية ، فضلا عن الأدب المكشوف ، الذي لا يزال لا يرى له وجودا ورواجا إلا إذا داعب العواطف الهابطة ، والنزعات الدونية في الإنسان ، فيتساوى مع الصور العارية على شاشات الفضائيات الساقطة والمواقع المشبوهة .
v إلى أي مدى وصل المشهد الثقافي في الأحساء ؟
الأدب في الأحساء ذو طبيعة تطورية مستمرة ، تسنده أجواء البيئة المثقفة، ورقة المتلقين ، ودوافع المتغيرات التي لم تكف عن هذا المجتمع منذ عرف . ولكن هذا التطور بطيء بالنسبة لغيره بأسباب يطول ذكرها ، ومع ذلك فقد استطاع هذا المجتمع المعزول عن الأضواء أن يقدم للعربية أعلاما حفروا أسماءهم بأظافرهم في ذاكرة التاريخ الأدبي الحديث . ومن خلال متابعاتي المباشرة لما يسمى المشهد الثقافي المعاصر في الأحساء، فإن مظاهر التطور شملت جميع مناحيه ، وتلك نتيجة طبيعية لتلك الظروف ؛ فقد برز عدد كبير من الشعراء والأدباء والمثقفين ، يمتازون عمن سبقهم بالإبداع والتحليق في إنتاجهم ، وقد رأينا مجموعة منهم يتسنمون كثيرا من المنابر الصحفية والثقافية والأدبية. بل وينوعون نتاجهم حسب ألوان الأدب المختلفة ؛ حتى أصبح لدينا لكل فن أعلام نفاخر بهم ، ونعتز بعطائهم ، والمراقب لحركة النشر في العشرين سنة الماضية سيجد أن مثقفي الأحساء أصدروا ضعف ما صدر عن الأحساء في كل القرون الماضية ، وتلك حقيقة لا مماراة فيها ولا مبالغة .
على أن بيئتنا بطبيعتها تغمر صاحبها ، أو إنها بعيدة عن مراكز الإعلام بجميع أصنافه، ومن طبيعة أهل البلد أنهم يغمطون أنفسهم حقها بتواضع غير محمود ، وبتأخير نشر نتاجهم ، وهذا ما أخر الأحساء عن المشهد الثقافي العام في المملكة أو في البلاد العربية .
- v بحكم عضويتكم في رابطة الأدب الإسلامي العالمية ، ما الدور الذي يلعبه الأدب الإسلامي في التعريف بالإسلام ومبادئه وأفكاره واتجاهاته ، بمعنى أن هناك من نسب الإرهاب إلى الإسلام مثلا ، فما دور الأدباء الإسلاميين من شعراء وكتاب في هذا المجال ؟
ربما يفهم بعض القراء من سؤالك أن طبيعة الأدب الإسلامي منصبة على ما ذكرت من مجالات توضيح صورة الإسلام المثلى ، والدفاع عن حياضه ، وليس الأمر كذلك بل ذلك شأن اختصاص الثقافة الإسلامية ، بينما الأدب الإسلامي رحب الآفاق ، يتسع اتساع النفس الإنسانية المؤمنة ؛ فهو النفس الحر للمسلم ، إذا حزن عبر عن حزنه؛ سواء أكان ذلك الحزن عاما ، من أجل جراح الأمة وإخفاقاتها ، أم حزنا خاصا ، من أجل موقف شخصي ، وإذا فرح فمثل ذلك ، ينشرح خاطره للربيع ومروجه فيغني له ، ويرقص في عينيه الجمال فيشدو له ، ويستقبح النقائص الفردية والاجتماعية بشتى أنواعها فيهجوها ، الدفاع عن الإسلام إحدى تلك المجالات الفسيحة . وقد نهض به شعراء الإسلام في العصر الحديث كما نهض به شعراء الرسول r ، فنافحوا عنه بصدق وحرارة، وكان لشعرهم وكتاباتهم أثر كبير في رفع مستوى الوعي في المجتمع الإسلامي بشكل عام، وتفتيح عيونهم على ما وراء الأبواب الموصودة ، في زمن حرص فيه أعداؤنا على تخديرنا وترويضنا. وطرحت قضية الإرهاب بكل موضوعية ووعي من قبل عدد من الشعراء والأدباء والمثقفين الإسلاميين ، دون انجراف وراء المفهوم الأمريكي له ، الذي ينطلق من مصالحها الخاصة وحسب .
- v الحداثيون مخلصون في منهجهم ؛ لأنهم تفرغوا لخدمته ، بينما أصبح الصوت المحافظ على التراث نادرا .. لماذا ؟
الضيف / أما الجانب الخبري من هذا السؤال فهو حق ، وهكذا شأن أصحاب المباديء ، بصرف النظر عن قربها من الصواب أو بعدها عنه . وهو حقا ما ينقص كثيرا من المختصين في الأدب المحافظ أو الإسلامي خصوصا ، فهم مشغولون بأمور شتى منها الأدب ؛ مما يقلل من فرصة إبداعهم فيه . وإن كان الحداثيون عندنا قد أعلنوا فشل مشروعهم ، وراح كل منهم يبحث له عن زورق ينجو فيه من أمواج الثقافة المتلاطمة من حوله .
وأما الجانب الآخر فهو مغالطة يروج لها بعض الحداثيين ؛ ليوهموا المتلقين بها . والحق أن المحافظين على التراث صنفان ؛ الأول من رضي بالتراث وحده وقتله بعزله عن الحياة المعاصرة ، وظن أنه بالعض عليه دون الالتفات إلى ما يموج حوله من بحر المعاصرة ظن أنه على جادة الصواب ، وأنه في خندق من خنادق الجهاد لمحافظته على لغة القرآن ، وقد حسنت نيته ولكنه أخطأ ، فإن نتيجة عمله أن يبقى وحده منزويا حتى ينتهي جيله ، ويضمر أثره حتى يتلاشى .
وأما الصنف الآخر فهو الذي يدافع عن التراث ، ولا يقف عنده ، بل يحتويه ، ويؤصل ثقافته به ، ثم ينطلق إلى آفاق المعاصرة بجناحين طليقين ، لا يردهما شيء . ولا مانع أبدا من الإفادة من جميع الاتجاهات والمدارس والمذاهب النقدية بلا اختيار ، ولكن دون الانصهار في واحد منها . فإن الأديب القوي هو الذي يتأبى على الاندماج التام في أي اتجاه ، بل إنه ليحير الدارسين التقليديين ، الذين يحرصون على تصنيف الأدباء والشعراء ، ويرون ذلك نجاحا لهم يتشدقون به . والواقع أن لهذا الصنف الأخير أصواتا عالية في المجامع والأندية الأدبية ، ولكن لا يمكن أن يحصلوا على الاعتراف بهم من قبل الحداثيين إلا المنصف منهم ، ولا شك أن فيهم منصفين .
- v لا شك أن تكوينكم الشعري والثقافي والأدبي جاء من طبيعة عوامل مؤثرة، هلا حدثتنا عن تلك العوامل ؟
نتاج الكاتب ـ إلى جانب عالمه الذاتي الخاص ومواهبه ـ هو محصلة عوامل بيئية وأخرى ثقافية ، فأما بيئتي فتتمثل في بلد الحب والنخيل ( الأحساء ) ، هذه الواحة الشاعرية الرقراقة بالخضرة والماء والجمال ، في قلب الرمال المائجة بالجفاف والهجير .. البيئة المتأدبة ، التي تحتفي بالأدب والشعر خصوصا ، وبالثقافة والعلم عموما ، والتي تمثلت في المجالس العامة ، والمجالس الأدبية الخاصة ، ولعلها الآن أكثر بروزا في الصالونات المنتشرة بكثرة في سائر بلادي ، إلى جانب رعاية كبار الأدباء وتوجيهاتهم من داخل المحافظة أو من خارجها ، ثم تلك البيئة العلمية الجادة التي بدأتها بالمعهد العلمي لمدة ست سنوات ، والتي كان يدرس فيها ما يدرس في الجامعات الآن ، ثم في ظلال جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الأحساء والرياض ، وقد حظيت بإدراك ثلة من العلماء البارزين والأدباء والنقاد الكبار . ثم البيئة الخاصة ، وهي أسرتي ؛ فوالدي وإخوتي جميعا أدباء وشعراء ، لا يمر لقاء بيننا دون أن يكون فيه لفتة شاعرية ، أو فائدة علمية أو لغوية ، وكل ما ينتجه واحد منا نتداعى له في حضرة الوالدين ، ونحتفل به ، ويلقيه كأنه في محفل كبير، حيث يحظى بالإلقاء الأول الذي يحمل زخم التجربة وعنفوانها ، فلربما بكى وأبكى، ولربما انتشى فارتفع بأنفاس الحاضرين ، ثم تأتي بعد ذلك مرحلة النقد الصريحة جدا ، التي لا تكاد تغادر صغيرة ولا كبيرة إلا وقفت عندها واتخذت موقف منها . ثم القراءة الخاصة، والتي تحولت إلى إدمان ونهم لا حدود لهما ، بحيث أصبحت مثل الطعام والشراب والنفس . ولا تنس أنني تخصصت في اللغة العربية في مرحلة البكالوريوس ،ثم في الأدب بوجه أخص في المراحل التالية ، ولذلك ـ بلا شك ـ أثره الكبير على دعم تجربتي بتجارب الآخرين ، وإن كنت لا أزال في البداية ، وأذكر أن من قصائدي التي قلتها على مقاعد الدرس ، ولا أزال أعيشها ( طموح وعوائق ) ، ومطلعها :
شاخت خطاي ولم أزل |
|
أرتاد ناصية الطريبق
|
وطموحي المشبوب يحـ
|
|
ـملني على ما لا أطيق
|
- v لماذا لم تخرج رسالة الماجستير حتى الآن في كتاب ، مع أهميتها في تاريخ الأدب الأحسائي المعاصر ؟
تفضل النادي الأدبي في المنطقة الشرقية بطباعتها في كتاب يحمل اسم ( الشعر في الأحساء في العصر الحديث 1301ـ 1400هـ ) ، وسوف تصدر قريبا إن شاء الله ، ولا شك أنها تأخرت كثيرا بسبب انشغالي بالدكتوراه ثم بالصحافة بعدها .
- v لو فتح ناد أدبي ، أو مركز ثقافي في الأحساء ، فهل المثقف في الأحساء قادر على استيعابه ؟
بل كان يجب أن تسأل : هل يستطيع هذا النادي أو ذلك المركز على استيعاب كل هذه الثقافة والأدب والعلم التي تموج بحارها في الأحساء ؟ وإنني أتوقع للنادي المرتقب نجاحا منقطع النظير بإذن الله .
- v رسالتكم كانت حول الشاعر الكبير عمر بهاء الدين الأميري ، ما سر اختياركم لهذه الشخصية أن تكون محل دراسة ورسالة .
فور انتهائي من رسالة الماجستير توفي هذا الشاعر عام 1412هـ ( 1992م)، فكان ذلك إيذانا بلفت انتباه الدارسين للاهتمام بتقويم نتاجه الشعري ، بعد أن اكتملت تجربته وتوقف عطاؤه . وكانت لي صلة حميمة بشعره خلال حياته ، أجد فيه نَفَسًا شاعريا راقيا ، ومعالجة فنية ناجحة لكثير من تجارب الحياة بشتى ألوانها ؛ الشرعية والاجتماعية والسياسية والإنسانية والنفسية ، في ضوء الرؤية الإسلامية الصافية . فأحببت أن أخدم الأدب العربي والإسلامي المعاصر من خلال دراسة حياة هذا الشاعر وشعره ؛ بوصفه أنموذجا من نماذجه المبدعة ، وكان لهذا الشاعر صلة وثيقة بوطني العزيز ، فقد عمل فيها سفيرا لبلاده مدة من الزمن ، توثقت خلالها وامتدت بعدها صلاته بعدد من ملوكها وأمرائها وأهل العلم والأدب والشأن فيها ، ودرس وحاضر في بعض جامعاتها ، ومؤسساتها العلمية والأدبية ، ونشر فيها عددا من دواوينه وكتبه ، وقضى فيها أواخر أيامه ، بل دفن فيها في بقيع المدينة المنورة.
ويعد الشاعر عمر بهاء الدين الأميري من شهود هذا العصر ؛ فقد عاصر مراحل الانتقال السياسي التي مرت بها أكثر البلاد العربية في العصر الحديث ؛ من الدور العثماني، إلى الاحتلال الأوربي العسكري ، إلى حركات التحرر العربي ، إلى الاستقلال ، إلى الانقلابات العسكرية المتعددة في بلده سورية خاصة . وعايش ببيانه وسنانه قضايا أمته بشتى أنواعها . واكتملت للأميري شخصية متميزة ؛ بسبب التزامه بمباديء دينه ، وإفادته من مواهبه المتعددة ، وتأثره بظروف حياته الخاصة ، وثقافته المتنوعة ، وعلاقاته الواسعة ، وأسفاره الكثيرة ، وتعدد مواطن إقامته ، وتنوع أعماله الوظيفية ، وقد اكتنف ذلك كله عمرُه المديد ؛ حيث نيف على خمسة وسبعين عاما . والأميري شاعر مطبوع ، ولد بنفس شاعرة وإحساس حاد بالجمال . ولعل هذه المنحة الربانية هي التي جعلته شاعرا أَنْضَجَ فنَّه وعمَّقه ، عن طريق الغوص في ذاته ومحيطه ؛ فكان شعره مرآة صادقة لنفسه ومجتمعه وأمته. وكان شعره بشمولية طرحه ، وتنوع موضوعاته ، ورقي لغته ميدانا خصيبا للدراستين: الموضوعية والفنية ؛ مما أتاح المجال أمام دراسة شاملة ، حاولت أن تكشف عن خصائصه فيهما ، وتميزه عن غيره ، وتضعه في مكانه اللائق به بين شعراء زمانه ، لا سيما وقد جمع بين الأصالة والمعاصرة ، وإسلامية المضمون وجودة الأسلوب ، وبدت في شعره معاناة الإنسان المعاصر بين آماله وآلامه . فكان من حقه أن يأخذ نصيبه من النقد والتقويم.
- v نتفق ـ يا دكتور ـ بوصفنا خليجيين في مجالات كثيرة ، ألا ترى أننا بحاجة إلى ( أدب خليجي ) ، يضم أدباء الخليج ؛ فيحصل التواصل والمهرجانات الثقافية والأمسيات الشعرية ومعارض الكتب ، ونعرف الأوطان الأخرى بثقافتنا وفكرنا وحضارتنا ، وخصوصا في هذه الأحداث، ونخرج بتوصيات تحفظ لنا إرثنا وأصالتنا وأدبنا تحت مسمى ( مشروع أدب خليجي ) .
تأطير الأدب بالإقليمية ليس جديدا على الأدب العربي ، فمن قبل كان للكوفيين مدرسة ، وللبصريين مدرسة أخرى ، ولكل من المدرستين سمات خاصة تميزها عن جارتها، وفي العصر الحديث وجدت مدارس جديدة أساسها إقليمي كالمهجرين الشمالي والجنوبي على سبيل المثال ، وهما مدرستان لهما أثر فعال في الاتجاهين ؛ الإبداعي ، والنقدي ، وقد أَثْرَتْ أدبنا الحديث بكثير من التوجهات والنماذج المحتذاة ، ولعل شعوب الخليج العربي بما تحمله من سمات مشتركة في الثقافتين الاجتماعية والذهنية ، تمثل تكتلا مشابها لتلك التكتلات السابقة الذكر ، ولا بأس بأن يكون لها مؤسسة أدبية كبرى ، ترعى شؤون الأدب فيها ، تنطلق من مجلس التعاون الخليجي ، ولعل سؤالك يتضمن كثيرا من المقترحات التي يمكن أن تنهض بها هذه المؤسسة ، ولكن ينبغي ألا تشعرنا هذه المؤسسة بالانفصال عن أدبنا العربي في بقية أقطار العروبة ، أو تميزنا الإقليمي عنه ، فنحن لا نريد تكريس الفرقة في الذهنية العربية أكثر من واقعها المرير ، بل تكون من أسمى مهامها ربط أدبنا بذلك الأدب ، والتعريف به من خلال مهرجانات أدبية عملاقة تقام في الشمال والمغرب العربيين ، فالواقع المعاش هو انبتات ثقافات وأدب الوطن العربي بعضه عن بعض .
v توجد في المملكة عدد من المجالس والمنتديات الأدبية ، التي تناقش فنون المعرفة والثقافة ، فهل استطاعت هذه الصوالين أن تخدم أدب هذا الوطن وثقافته ، هل أضافت له جديدا ، هل قدمت رؤية نقدية للأدب والمجتمع من خلال ما يطرح فيها من موضوعات ، ما رأيك وأنت رائد من رواد أحدية الشيخ أحمد بن علي آل الشيخ مبارك .
هذا السؤال يُحَمِّل هذه المنتديات الأهلية ، ذات الإمكانات المحدودة تحقيق أهداف عجزت عنها مؤسسات رسمية تسير في الاتجاه نفسه من خدمة الأدب والثقافة ، فما تريده لا يمكن أن تنهض به سوى مواهب مختصة متفرغة ، تتبناها مؤسسات ذات صفة خاصة ، مدعومة بسخاء . ولعلك تعلم أن مما أدى إلى التقدم النقدي في الغرب هو تفرغ النقاد ، بحيث يكون عمل أحدهم المدون في وثيقته الرسمية ( ناقد أدبي ) . بينما هذه المنتديات ، وأقصد ـ بالطبع ـ التي يقوم عليه أدباء مرموقون ، ذوو كفاءة عالية ، مشهود لهم بها تقوم بدور رائع في تحريك بحيرة الأدب المحلي ، ومحاولة إحياء التواصل الثقافي بين مثقفي المجتمع ، ولكن يفوت معظمها التغطية الإعلامية المختصة ، والتوثيق لما يطرح فيها من ثمرات القلوب والعقول ، وأظن أن ذلك يحتاج إلى تخطيط من أصحابها ، ودعم سخي من الأندية الأدبية والجامعات العلمية .. وليكن أحد مشروعاتها . ويكفينا من هذه الصوالين الأدبية لم شمل المثقفين في دائرة واحدة ، تتجاذب فيها أطراف الثقافة والأدب .
v على أي وتر يحب الشاعر خالد الحليبي أن يعزف قصيدته ، في ظل خروج مسميات جديدة للقصيدة ( كالتفعيلة ، وقصيدة النثر ) ، وهل هناك جدل يدور حول هذه المسميات مع القصيدة العمودية .
الجدل الدائر حول هذه المصطلحات الثلاثة مله المتابعون ، ويكفيني أن أحدد موقفي الشعري منها ، فأما القصيدة العمودية ، فهي فرسي التي أصول بها وأجول بكل أريحية وأصالة ، وأما القصيدة التفعيلية فلها تجربتها الخاصة بها التي تختار ـ بعفوية ـ توقيعاتها من خلال مقاطع الحس والشعور ، وتجود فيها القريحة بالصور المبهرة ، والألوان والظلال الرائعة ، وقد كتبت عليها عددا من قصائدي الأثيرة إلى نفسي .
وأما ( النثيرة ) ، فهي لون من الأدب لا أحجر على وجوده ، ولكني لا أستطيع أن أسميه شعرا أبدا ، وقد كتبت نثرا فنيا ، ملونا بالعواطف والجماليات التصويرية ، ولكني لا أعده شعرا البتة .
v عرفت شاعرا .. ولكن ما مساحة النثر في إبداعك ؟
النثر والشعر يتجاوران في مضمار تجاربي ، وقد أصدرت بعض مقالاتي في كتب ، ولا أزال أصدرها تباعا إن شاء الله ، وأما القصة والمسرحية فقد كتبتهما منذ أكثر من عشرين عاما ، ولكنها تجارب لم تعقب بتأكيد لوجودها ، مع أني قلت أكثر من مرة ، بأني أشعر بطاقة القص في نفسي ، ولكني لا أمنحها الفرصة للتعبير .. لا أدري لماذا ؟ وربما تظهر في بعض كتاباتي الوعظية المنسوجة في أبراد الأدب ، وفي بعض قصائدي .
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.