مجلة الإسلام اليوم/ فائق منيف
1ـ نشأت في بيئة ( أسرية ) أدبية ، فهل للأسرة دور مهم في تكوين الموهبة الشعرية؟
أسرتي ـ في الأصل ـ ليست أسرة شعرية أدبية ، فقد نشأت بين رجالات قيم ومباديء سامية ، يحبون العمل ، ويقدرون الهمم ، ويتعاملون بالفضل ، فكسبوا حب الناس من حولهم ، بين المسجد والسوق والمزرعة وأزقة الحارات العريقة في الأحساء كانت البداية تغرس حب الخير والعطاء والطموح في قلبي. أجل ما تعلمته في نشأتي في أسرتي الفاضلة ولا سيما أمي وأبي : هو كيف أصنع من ذاتي إنسانا لا يتكل إلا على الله ، لا يعرف غير التطلع إلى ما هو أسمى ، كيف أسبق في المضمار الذي أخوضه ؛ لا لأفاخر ، ولكن لأكون أول من يضع بصمته في الطريق البكر ، لم يكن والداي حفظهما الله ورعاهما ليسمحا لي أن أكون سوى في طليعة طلاب العلم في جميع مراحلي الدراسية ، وحين بدأت رحلتي مع الكلمة رعوا هذه الرحلة بالتشجيع المستمر ، وسقوها بصادق الدعاء الذي أرى آثاره في كل خطوات حياتي.
ثم كانت الدراسة النظامية ، التي استفدت منها تعرفي على موهبة كامنة في نفسي، بدأت تتفتح أزاهيرها الطرية في الابتدائية كلما حانت فرصة خلف اللاقط الإذاعي الصباحي ، تاليا أو منشدا أو خطيبا .. بتشجيع من أسرتي وأساتذتي.
ثم تدفقت ينابيع المعهد العلمي على أرض تتمرد قشرتها على المكث وتأباه ، حين تلقيت علوم الشريعة والعربية على يد علماء مبدعين ، وحقيبة الأمل المنشود مشدودة بيدي لم أستطع أن أفارقها ، فكانت النقلة من مجرد المحاكاة وإثبات جذور الموهبة إلى محاولة الإبداع ، وكانت السنة الأخيرة قد شهدت أول قصيدة ، حصلت على أول جائزة في رعاية الشباب في الأحساء في الإبداع الشعري.
ومع ذلك فالأسرة ليس لها علاقة بتكوين الموهبة ، ولكن لها علاقة وثيقة بتدعيمها، وتطويرها ، وتشجيعها ، وإطلاقها ، وهو ما وجدته من أسرتي ، التي ازدادت تألقا حين تدفقت قرائح إخوتي الشعرية والشاعرية ؛ الدكتور محمود والدكتور فيصل والمحاضر عبد العزيز والأستاذ مصعب وأختي أم محمد، ولست أنسى أختي أم عبد العزيز التي كانت أول من استمع إلي بتشجيع فأهديتها ديواني الأول : قلبي بين يديك، وهنا تكونت الأسرة الشاعرة والبيئة الرائعة التي أثرت تأثيرا بليغا على تجويد ما ننتجه في جميع مناحي العطاء ، حيث تتحلق الأسرة حول الوالدين ، ويقرأ أحدنا قصيدته أو مقالته ؛ ليتلقى الثناء والتشجيع ، والنقد البناء والتصويب ليرقى ويزداد بصيرة بحقيقة منزلته ومرحلته التي وصل إليها.
وإن كثيرا من الأسر اليوم تطوق إبداع بنيها بالخوف والقلق والعنف والإيحاءات السلبية ، فكم موهبة قتلت بيد الحنونين الرحيمين الأب والأم.
2- تعدد المهام والنشاطات والمجالات ظاهرة تفرد بأكثرها الأدباء الإسلاميون ، فهل هذه الظاهرة إيجابية أم سلبية؟ ولماذا التصقت هذه الظاهرة أو أغلبها بالأدباء الإسلاميين ؟
أتصور أن العرب حين قالت : (( المورد العذب كثير الورود )) كانت تشير إلى حقيقة ، وهي أن صاحب الموهبة إذا عرف لا يصبح لنفسه ولأهله فقط ، وإنما هو للناس أيضا ، وقد قالت العرب أيضا : (( أنت لنفسك ما لم تعرف )) ، وتعدد المهام دليل قدرات متعددة في نواح شتى ، فهي ظاهرة إيجابية من وجهة نظري ، ولكني أذكر بقضية ربما انطوى السؤال عنها في داخل سؤالك ، وهي أنك ربما تتمنى أن يتفرغ هؤلاء للأدب ، ويخلصوا له أوقاتهم ، ولا أظن أن ذلك حسن إلا لمن لا يملك إلا أدوات الأدب وحسب ، فعلى مثل هذا مسؤولية التفرغ للأدب الإسلامي وحده، وكم نحن في أمس الحاجة إليه، في مواجهة هذا الأدب المنحل الذي يروج له.
وأما من يملك أن يحول هذا الأدب الذي تشربه خلال حياته بكل قراءاته وحفظه لشواهده ؛ ليجعل منه وسيلة لا غاية ، لأي منحى من مناحي الحياة ، خطيبا أو مذيعا أو مدربا أو خطيبا أو مصلحا اجتماعيا ونحو ذلك فعليه ألا يتردد في ذلك ، ولا يعبأ بمن يحاول إيقافه بحجة التخصص ، فأن يلقى الله تعالى مصلحا لمجتمعه وأمته بأدبه خيرا له من أن يلقى الله تعالى وهو عاكف على قيس وليلى ، وعنترة وعبلى ليحلل ذوب عشقهم فنيا ، بدلا من تحويل هذه العواطف إلى شواهد مؤثرة للتقريب بين القلوب المتجافية في أسرة واحدة .. فرق كبير .
3- يوجد اسمك في قائمة المفتين في عدة مواقع في الشبكة العنكبوتية ، بينما يوجد اسمك أيضا في قائمة الشعراء المدعوين إلى أمسيات شعرية ، هل هناك علاقة طردية أو عكسية في النمو والسمعة بين الاثنين ؟
نشأت في بيئة علمية اعتنت بي من الجانبين ، الشرعي والأدبي اللغوي في طريقين متوازيين، ودرست على يد علماء من التخصصين ، ومارست الإمامة والخطابة منذ أكثر من عشرين عاما ، أي منذ أن كنت طالبا ، فكان تكويني الشرعي قريبا من تكويني الأدبي واللغوي ، ولكني لا أدعي أنني في مقام الفتيا أبدا ، ولم أضع اسمي بين المفتين ، ومن فعل ذلك فهو محسن للظن ، بناء على ما نشرته من خطب ومحاضرات في الأشرطة ، بل أنا مجرد ناقل فتيا ، وأقول لما لا أعرف : لا أدري بكل أريحية ، وأحيل المتصلين إلى المفتين . وأما الشعر فأنا لا أزال أحاول رقي سلمه الطويل ، وقد حصل ديواني الأول على جائزة أبها عام 1413هـ ،وديواني الثاني على جائزة أبها عام 1425هـ ولله الحمد والمنة ، وهو تخصصي الأكاديمي . وليس هناك أية علاقة طردية أو عكسية بين الاثنين.
4- هل تؤثر المقالة اليومية أو شبه اليومية والكتابات النثرية على شعرية الشاعر ، وهل هناك احتمال أن تتحول مقالة الشاعر إلى قصيدة ، أو قصيدته إلى مقالة؟
قد تؤثر الكتابة النثرية على القريحة الشعرية حين يدمن الكاتب النثر ويهجر الشعر ، ولكن حين يزاوج بينهما فلا أعتقد ذلك ، ولا نزال نرى كثيرا من الشعراء يكتبون النثر ولا يؤثر علي مستواهم الفني .
ولكن هل يمكن أن تتحول المقالة إلى قصيدة والعكس فنعم ، فكم قصيدة فقدت رونق الشعر ورواءه وإبداعاته الخيالية المحلقة فغدت نثرية اللغة ، لا ينميها إلى الشعر إلا الوزن ، وهو لا يكفي ليسجلها في بطاقة عائلته ، بل هي أقرب إلى المنظومة من القصيدة، وكم مقالة ازدهت بجمال تعبيري أخاذ ، وحلقت بالروح والقلب في آفاق الإبداع الشاعري ، حتى تظن أنك تقرأ قصيدة .. ولعل مدار الإبداع على صدق التجربة ، وسعة الخيال ، والقدرة التعبيرية.
5- أنت عضو في النادي الأدبي في الشرقية ، وعضو في رابطة الأدب الإسلامي العالمية ، ما تقويمك لأدائهما ؟
أما نادي الشرقية الأدبي ، فهو في منظومة الأندية الأدبية في المملكة ، ويخضع لنظامها ، وقد أدى دورا لا بأس به في إنهاض الأدب والشعر والثقافة على العموم في الشرقية خلال أكثر من عقد من الزمان وقد مثلته في الأحساء عدة سنين ولا أزال ، ولكن بعثرة جهوده على مستوى الشرقية كلها شتت إنجازه فرآه الناس في كل محافظة قليلا ، والحل هو أن يفتح ناد أدبي في الأحساء ليقل عنه اللوم ، وتخف عن كاهله المسؤولية.
أما الرابطة ، فهي في الخارج تؤدي عملا جليلا مستمرا قويا ، ترك أثرا بالغا على تطور الأدب الإسلامي وتمكينه في كل الدول التي لها مكاتب فيها مثل مصر والمغرب العربي والهند وتركيا وبنغلادش واليمن والسودان وغيرها ، وأما في الداخل فليس لها نشاط يذكر سوى في الرياض، ولعل سبب ذلك ارتباط الترخيص بالعاصمة حفظها الله من أيدي العابثين.
6- يلاحظ أن الأدباء في مناطق المملكة المختلفة ( وبالأخص الأدب الإسلامي ) منعزلون عن بعضهم ، ما هي أسباب هذا التقوقع الجغرافي المناطقي ؟
الأدباء جزء من المجتمع المعاصر ، الذي أصيب أفراده إصابات بليغة بخنجر تفريق الهم ، وتمزيق الشمل ، وتوزيع الاهتمامات ، ولذلك تنبه أدباء المملكة لذلك فأنشأوا جمعية علمية للأدب السعودي ، شرفت باختياري أحد أعضاء مجلس إدارتها قريبا ، ويجري بحث إقامة رابطة للكتاب والأدباء السعوديين عموما في المملكة في مجلس الشورى، أرجو أن تسهم في تجسير العلاقات بين جميع الأدباء بجميع تخصصاتهم.
7- شهد ملتقى المثقفين السعوديين الذي رعته وزارة الثقافة غيابا ملحوظا من المثقفين ذوي التوجه المحافظ ، فهل للشللية الثقافية دور في المسألة ؟
أما في توزيع حقائب أوراق العمل فنعم ، وأما في الدعوات فلا أظن ، فقد وجهت للجميع والغائب هو الذي ترك الساحة لغيره.
8- حصلت على شهادة الدكتوراه في الأدب الحديث ، ومع ذلك لاحظ البعض عليك قصورا إعلاميا واضحا في مجال النقد الأدبي الحديث ، هل أثرت مهامك على مجال تخصصك ؟
نعم .. ولكني لم أهجر تخصصي ، وحضوري الشعري والأدبي يتجدد مع كل لقاء على مستوى كبير يعقد هنا أو هناك ، والأدب عندي رئتي التي أتنفس بها ، وأكتب بها وأخطب بها ، وأدرب بها في المجال التطويري والأسري ، وأعبر بها عن كل خلجاتي .. وليس شرطا أن أستمر طوال حياتي مكبلا بقيود النقد الذهبية ,, فالأدب للحياة كلها ,, وهكذا أتعامل معه وأحب أن أتعامل به.
9- بصفتك مشرفا على أحدية الشيخ أحمد آل الشيخ مبارك الأسبوعية ، ما رأيك في الصوالين الثقافية وما سبل تطويرها لتعميم فائدتها للجميع ؟
أولا شرفت بإدارة برنامج الأحدية منذ نشأتها عام 1411هـ ، بالاشتراك مع الدكتور نبيل المحيش ، ولكن في السنتين الأخيرتين تركت إدارتها لعدد من المثقفين الكبار في أسرة آل الشيخ مبارك بطلب مني ، لكوني انشغلت في مشروع كبير حول (الأسرة) ، ولكني على صلة بها.
وأما عن الصوالين الأدبية فقد أثبتت نجاحها بقوة ، بل تفوقت في بعض الأماكن على الأندية الأدبية ، وهي تجربة جديرة بأن تقتفى ، ومن أبرز شروط نجاحها :
- أن تقيمها شخصية كبيرة ذات ثقافة واسعة ، وقبول اجتماعي.
- أن يخطط لها بدقة متناهية ، وفي وقت مبكر .
- أن ينوع في البرامج لتكسب كل التخصصات.
- أن يكون لها لجنة إعلامية لتجديد الدعوات ، وتوثيق اللقاءات.
شكرا لك أنت أخي الأستاذ فايق على أسئلتك الصريحة..
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.