الإحراق على كرسي وثير

 

ملحق الرسالة بجريدة المدينة/ أ.ساري الزهراني

في مطلع اللقاء أشكرك أخي الأستاذ ساري على هذه النافذة التي أشرعتها أمام عيني في دنيانا المائجة بالغيوم الصيفية .. !!

  • يقولون بأن كثيرا من مناهج النقد الأدبي تعتمد على أرضية أيدلوجية بما فيها المناهج الشكلانية. بحكم تخصصك الأكاديمي هل ترى ضرورة أن يكون هناك منهج خاص للنقد الأدبي الإسلامي؟

هذا سؤال متأخر جدا عن الواقع الذي يعيشه اليوم نقد الأدب الإسلامي، وطرحه الآن يمثل تقهقرا خطيرا في مسيرة هذا المنهج؛ فمنهج الأدب الإسلامي النقدي بدأت بوادره منذ أكثر من نصف قرن، وبرز فيه عدد من الأسماء المتميزة في جانب التنظير له؛ أمثال الشيخ أبي الحسن الندوي، والدكتور نجيب الكيلاني، والدكتور عبد الرحمن رأفت الباشا، والدكتور عماد الدين خليل، والدكتور عبد القدوس أبو صالح، والدكتور حسن الهويمل، والدكتور عبد الباسط بدر، والدكتور حسن الأمراني، والدكتور عبده زايد .. وكثيرون.

غير أن هناك قضية كبيرة جدا في هذا الإطار لا بد أن يعاد تقريرها؛ ترتبط بالحقيقة التي أشرت إليها في سؤالك، فلكل أدب أيدلوجية، وأعظم أيدلوجيات البشر على مدى حياتهم على هذا الكوكب هو فكر هذا الدين العظيم الذي ينتسب إليه هذا الأدب، هذا من باب المشاكلة في المصطلح فقط، وإلا فإن دين الله أعلى من أن يسمى فكرا أو أيدلوجية، وهو الذي جاء منهج حياة كاملة، لم يغادر فيه نبيه صلى الله عليه وسلم صغيرة ولا كبيرة من شؤونها إلا وضع أسسها، وبين منطلقاتها، وتركها ترفرف بجناحين طليقين في دنياها الرحبة الفسيحة، وفي الوقت الذي وجدنا فيه الأدب العربي يهرول وراء عدد من الأيدلوجيات الاشتراكية والوجودية والحداثة الغربية وغيرها، حتى أصبح لكل مذهب فكري أتباع كبار برزوا وكأنهم هم الذين أسسوه، وما هم إلا تابعون يرددون ما قاله فلان وعلان، ثم انساقوا وراءها ودعوا بني أقوامهم إليها، حتى أصبحوا يسمون روادا .. والرائد لا يكذب أهله…! ولكنهم فشلوا جميعا، حتى انزوى الأدب وراء الفكر المشوه، وانتحر النقد الأدبي بمشنقة الصراع على البقاء، ولو حساب العقل الراجح، والتفكير المنطقي، والرؤية الأخروية.

في الوقت نفسه نجد هؤلاء يقفون من الأدب الأصيل ـ الذي يمثل أدب قوميتهم بوصفهم عربا، ودينهم بوصفهم مسلمين ـ يقفون منه موقفا بئيسا، ويشنون عليه أشنع المعارك.

للأدب الإسلامي منهجه الخاص به، ومن حقه ذلك، وإنكار أعدائه لا يغير من الحقيقة شئ، وقد نشرت عشرات الكتب في تأصيله، وتثبيت دعائمه، والتمثيل من روائعه في القديم والحديث.

  • أنت أحد أعضاء رابطة الأدب الإسلامي العالمية، ألا يترتب على تصنيف الأدب الإسلامي وغير الإسلامي تصنيف الأدباء أيضا/ أديب مسلم وأديب كافر؟ ثم ألا يترتب على ذلك التصنيف ـ أيضا ـ تشطير الشاعر الواحد وتجزئته تبعا لحالته الشعرية؟ وما الموقف من هذه التجزئة؟

إذا كان الأديب غير مسلم، فما المانع من تصنيفه كافرا، بل هو أمر طبيعي، ولا يأنف منه الأديب الكافر. أما إذا كنت تقصد أن الأديب ذا الديانة المسلمة، يمكن أن يصنف غير مسلم لمجرد أنه لا يكتب أدبا إسلاميا فهذا أمر مرفوض تماما، فالتكفير منهج الخوارج، وهو من أسباب الأزمة القائمة في الأمة، ولا يقول به إلا جاهل أو صاحب هوى. فالأديب يبقى مسلما وإن لم يكتب أدبا يتسم بسيماء الإسلام، إلا أن يأتي بكفر بواح لنا عليه من الله برهان، ولا يقوى على تصنيفه كذلك إلا الراسخون في العلم، بالمعايير التي اتفق عليها علماء الشريعة.

وما ذكرته من الشبهات الباردة التي يروج لها الرافضون لفكرة الأدب الإسلامي، ولا أدري لماذا يتمسكون بها، مع أنها أضعف من أن تكون حجة. فمن قال أن كل من عمل عملا خارجا عن أطر الإسلام وتشريعاته، يكون بذلك وحده كافرا؟!!

إن الأديب المسلم قد يجعل كل شعره في الغزل مثلا، فهل أقول عنه إنه شاعر إسلامي؟ بالطبع لا .. فالغزل مباح، ولكن من يغرق فيه ينسب إليه، فيقال شاعر غَزِل؛ مثل عمر بن ربيعة وقيس والأعرج ونحوهم، ومن سخر شعره لخدمة دينه وقضايا أمة الإسلام سوف أنسبه إليه فأقول شاعر إسلامي، ولا أقول شاعر مسلم هنا، لأني لا أريد أن أصنف الشاعر، ولكني أنسبه إلى شعره بما أكثر منه؛ حتى أصبح طابعه الخاص والعام.

وأما تجزئة شعر الشاعر فهو ما يفرضه حجم الشاعر، فالشاعر صاحب العاطفة الغنية والقوية، والشخصية الخلاقة، القادرة على التعبير عن كل مواقفها من الحياة من حولها بكل تقلباتها وعلائقها، من حقه أن يجزأ شعره بدراسته أو تصنيفه في اتجاهات مختلفة، وذلك ليس تشطيرا له كما عبرت في سؤالك، ولكنه إعطاؤه مكانته التي يستحق، ولعل شوقي يصلح مثالا قويا على ما قلت؛ فهو شاعر إسلامي بإسلامياته الرائعة، وشاعر مسرحي بمسرحياته التي نقلت هذا الفن من الأدب الفرنسي إلى العربي بنجاح، ، وشاعر قصصي بشعره القصصي الهادف الذي استفاد فيه من تجربة لافونتين الفرنسي ومن التجربة العربية القديمة، وشاعر عربي بكل شعره السلس العذب الذي عبر فيه عن آمال أمته وآلامها ووطنه مصر بالذات … وهكذا.

  • الفضائيات العربية مع كثرتها هل أسهمت بشكل جاد في تفعيل الثقافة، وإحياء الروابط بين المثقفين العرب؟

آخر ما تفكر فيه الفضائيات العربية المثقفون، فالرياضيون حظوا بفضائيات خاصة، والأفلام السخيفة الخليعة حظيت بفضائيات مستقلة، والموسيقى، وأفلام الكارتون القائمة على الصراع والعدوانية والعنف كذلك ..  أما المثقفون فلا يأتون بهم إلا ليختلفوا في أسوأ صورة؛ على كرسيين متضادين، أو على كرسي التحقيق؛ لإبراز المثالب، لا لإبراز المواهب، والإضافات التي أضافها إلى البشرية.

مرات عديدة كنت أشفق على المثقف الجالس أمام الأضواء وهو يحرق على كرسي وثير.

هؤلاء الإعلاميون .. لا يريدون أن يخدموا الثقافة .. هؤلاء يريدون أن يبرزوا هم، ويشدوا الأنظار إلى شخصياتهم وحسب؛ حتى أصبحوا نجوما في سماء الفضاء الملغوم بمئات السخافات .. إلا من رحم ربك. ولك أن تعجب من المثقف الذي يفرح بلقاء يخسر فيه أكثر مما توهم أنه يربح به!!

ثم أين الفضائيات التي تمحض بثها الثقافة .. ولا واحدة !! أين أمة (اقرأ)؟ أين البرامج التي كانت فيها (الساعة تدق كلمة)، وكانت فيها الشخصيات العملاقة تشد ملايين الأعين؟ هل تغير الجمهور؟ أم تغير الزمن؟ أم أن الأديب نفسه تغيب عن الساحة الثقافية ودخل دهاليز الدولارات، أو أنه تغيب في كهوف الثقافة الصحفية اليومية التي يزداد بها رصيده المالي أكثر من رصيده الأدبي والعلمي، هل تظن أن عطاء الأديب في مقالات صحفية يجتر فيها موضوعات مستهلكة سوف يقوده للخلود؟

  • البعض يرى أن التزام الأديب في الأدب نقمة عليه، خاصة إذا وظف لخدمة الدين، ويرفضون مصطلح الأدب الإسلامي كيف ترى ذلك؟

التزام الأديب سوف يكون نقمة عليه حقا حين يفهم الالتزام خطأ، فالشاعر كالوردة لا تسأل كيف تتنفس وكيف تبث شذاها ومتى، ولماذا هو بهذه الرائحة بالذات، وليس عليها أن تفكر في صنف الأجواء التي حولها قبل أن تضوع بعبقها. بل تلك الزهرة ـ ومع حريتها المطلقة ـ هي ابنة أصلها، فإذا كانت من نسل الفل أو الجوري أو الكادي فلن تشم منها إلا رائحة الفل أو الجوري أو الكادي .. ولن تجامل أحدا، ولن يلومها أحد أيضا!

والشاعر المسلم الملتزم بدينه قد امتلأ بدينه امتلاء جعله كتلك الزهرة تماما، فهو يعيش دينه علما وعملا وعاطفة وروحا وسلوكا وتفكيرا ومصيرا، فهل سيحتاج أن يتقمص شخصية لكل قصيدة ؟ لا بل هو إن وصف ذكر الله في وصفه وهو يرسم أزهى صورة للطبيعة من حوله، وإن تغزل فلن ينجرف مع أدب الفراش والانحلال؛ ولكنه سيعبر عن مشاعر جنس نحو جنس آخر يميل إليه طبعه، وإن مدح فلن يقول إلا حقا؛ ولكنه سوف يرضي نفس الممدوح.

الالتزام لا يعني الانعزال عن الحياة، ولا يعني قصر الأدب والشعر على قضايا الأمة والإلهيات والنبويات ونحوها، هذا قصور في الأديب والشاعر يدل على فقر عاطفته وعدم استطاعته أن يخرج عن تلك الدائرة، تماما كالشاعر الذي لا يقول إلا في الغزل وحده، ويفشل إذا تعدى دائرته.

وأما مصطلح الأدب الإسلامي فقد كثر فيه الجدل، وكثيرا ما أتضايق إذا أعطي مساحة من النقاش الحاد بين المختلفين في إطلاقه، ولا أدري لماذا كل هذا الحماسة من قبل الرافضين له، هل سنهدم الأدب العربي إذا سمينا جزءا منه وقد خَلُص للقضية الإسلامية، أو ما لا يخل بها أدبا إسلاميا؟ وأقول للمتحمسين للمصطلح.. رويدا رويدا .. يكفينا من الرافضين للمصطلح أن يتفقوا معنا على المضمون، وأن يدعونا وشأننا في تسمية الأدب الذي نمارسه أو نختاره.

  • ما الموقف من الازدواجية التي قد توجد أحيانا عند بعض الشعراء الذين يصدر شعرهم عن الرؤية الإسلامية في كثير من قصائدهم، ولكن تعتريهم لحظات ضعف وهبوط، فيسفون أحيانا ويسقطون حينا؟

هم ـ في هذا ـ كغيرهم من الأدباء والشعراء، ولعلك تجد في ديوان المتنبي ما لا يليق بمستوى تألقه وتميزه، وهكذا كل أديب وشاعر، يحلق أحيانا، ويسف حينا، ولكن مما يقلقني كثيرا أن بعض الشعراء والأدباء المنتسبين للأدب الإسلامي لا يتورعون عن نشر نتاجهم مهما كان ضعيفا، مع أن لهم نتاج فيه إبداع وقوة. ويعلل بعضهم ذلك بأن عليه أن يشارك في كل نازلة، وأنه ينبغي أن يسجل حضورا دائما وقويا في كل مناسبة، فيضر بمستواه الفني، ويضر بسمعة الأدب الإسلامي كله.

إن القصيدة التي تولد خداجا، والقصة التي لا يكتمل نموها بشكل سوي، يجب أن تعامل معاملة السقط، وتدفن مهما كانت مضامينها. والنية الطيبة وحدها .. لا تصنع فنا.

  • للمعارك الأدبية حضورها في بداية الثمانينيات الميلادية، ولكنها غائبة في السنوات الأخيرة مع العلم أن لها أكبر الأثر في نمو الحركة الأدبية، وتحريك المشهد الثقافي، فما سر هذا الغياب؟

المعارك الأدبية كانت موجودة قبل التاريخ المذكور في السؤال بكثير، وقد أفرزت نشاطا نقديا ضخما، وحركت دفة الأدب ردحا من الزمن، وصقلت أقلام، وأضافت إلى رصيد الأدب العربي مزيدا من الثقافات العالمية خلال الحوار النشط الذي دار بين المتخاصمين، ولكنها ولدت أيضا عداوات، ونتاجا ممزوجا بالمرارة كما حدث بين عمالقة الأدب العربي في مصر، ولذلك يرى بعض أدبائنا أنها مرحلة غير مأسوف على غيابها، بل هي وصمة عار في جبين الأدب الحديث.

ولكني أرى الوسطية في هذا الأمر، فوجود اختلاف في وجهات النظر بين النقاد والأدباء ، وتطارح ذلك في الصحف، ينضج الأفهام، ويشجع على البحث، ويمحص الأسماء، {كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ} [17الرعد]. ولعل مرحلة الوعي بقيمة الحوار وأدبياته التي أشاعها مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني كافية لتكون أرضية جيدة إلى حد ما لانطلاق حوار ساخن بين أصحاب التيارات الأدبية المختلفة، أو حتى أصحاب وجهات النظر المختلفة في التيار الواحد. المهم أن ندخل إخوة .. ونخرج إخوة، وألا يسف أحد منا على الآخر، فبالاحترام يمكننا أن نقول كل شيء، ولا نخسر شيئا.

ويبدو أن من أسرار غياب هذه المعارك تغير حلبة الصراع، من الأدبي/الأدبي، إلى الأدبي/الفكري. أو ربما الفكري/الفكري. فمعظم المحسوبين على الأدب والصحافة تحولوا إلى مفكرين يحملون أيدلوجيات حديثة ينافحون عنها ليحققوا لها وجودا على مسرح الحياة، حين لم يجدوا في الأدب والنقد ما يحقق وجودهم الفعلي بالقدر الكافي.

  • يؤخذ على الأدب الإسلامي خطابه الوعظي المباشر، وميله للماضي على حساب مجاراة تحديات العصر التي تحتاج إلى موقف إسلامي فما رأيك؟

(الوعظ) من موضوعات الأدب الإسلامي، ولا شك أنه إذا كان مباشرا أصبح نظْما أو خطبا، ولا بأس من وجوده، فهو يخاطب شريحة منها من لا يفهم غيره، ولكن ليس دائما نسميه أدبا أو فنا، وإنما يبقى في دائرة الوعظ المباشر، ولا نحرم عليه الحياة والوجود ونحن في حاجة إليه، وها غرض الزهد في تراثنا العربي كان له ولا يزال تأثير كبير في تحريك النفوس للقرب من خالقها عز وجل، وهزها هزا لتقلع عن الخطيئة.

ولكنه سيكون أرقى ويدخل ميدان الفن الأدبي بقوة وتمكن حين يصور الأديب أو الشاعر معانيه، ويجسدها في قسماتٍ مُشَاهدة محسوسة بدلا من سردها على المتلقي، ولعل في النماذج التي اختارها محمد قطب في كتابه الرائع الفن الإسلامي دليل باهر على ما أقول، من فنيات محمد إقبال وعمر الأميري وغيرهما.

وأما ميل الأدب الإسلامي إلى الماضي فهو ليس الوحيد الذي يفعل ذلك، كل الأدب العربي الحديث يفعل ذلك، وهو ما يستحق بحثا مختصا لإثباته وبيان آفاقه وأسبابه. ولذلك أسبابه الظاهرة، فالعجز الذي يعيشه العالم الإسلامي اليوم عن حل قضاياه، والشعور بفقر الواقع عن النموذج الذي يبحث عنه الشاعر، يجعله يعود إلى ماض وضئ، غني بالنماذج الحية النابضة بالحياة.

والأنموذج القديم متمثل في نفوس الناس أكثر، ولا يخضع لمعايير مشبوهة أو إقليمية، بل هو حق مشاع لكل أديب عربي له الحق أن يتبناه، ومن السهولة أن يستثار في الذهنية العربية المسلمة ولو بكلمة .. عمر .. صلاح .. وإسلاماه .. إلخ.

على أن بعض التيارات المعاصرة تخيرت من النماذج القديمة ما يليق بفكرها من أمثال إخوان الصفا والحلاج والقرامطة وأمثالهم.

ولكن مما يؤخذ على بعض أطروحات الأدباء الإسلاميين أنها مجرد أنين وبكائيات، لا تعطي موقفا أو أتشير إلى مخرج من الأزمة، ولعل من أبرز القادرين على دفع الحلول بفنية متوازنة في بعض قصائده الشاعر الإسلامي المعروف الدكتور عبد الرحمن العشماوي.

  • س/هل النقد الأدبي خدم شعرك، أم ترى أن النقد غائب عن مسايرة الحركة الشعرية؟

لا أريد أن أجعل النقد المواكب لشعري مقياسا لحركة مسايرة النقد الأدبي في العالم العربي لحركة الشعر؛ لكوني غير مكثر أصلا، ولكنها الشكوى التي يطلقها كل الشعراء المعاصرين، أنهم لم يعودوا يسمعون شيئا عن شعرهم من نقاد مختصين، فالمختصون مشغولون بقديم يحدِّثون النظرة النقدية إليه، أو بجديد من طبقة معينة من الشعراء أخفت كل الطبقات التي وراءها، ولذلك غاب النقد عن مهمة صقل الشاعر أو الأديب، ولم يبق غير المجاملات الفجة، أو التهميش المتعمد؛ المبني على الشللية.

وعلى أي أديب أن ينتظر حتى يحين أجله؛ لتتفضل الجامعات بقبول دراسة شعره وتقويمه. فجميع من لقوا ربهم من شعراء وأدباء بلادنا لم يسمعوا الرأي الأكاديمي في شعرهم إلا قليلا جدا منهم، ومن جامعات غير سعودية.

  • لك قلم ناضج، فما رأيك ببعض الكتبة ممن توسد زوايا وأعمدة يومية مع قلة العطاء، والتفكير بعقول بالية، وبماض عفا عليه الزمن.

هذه مسؤولية الصحف .. فما تقوله صحيح، فإن بعض الأعمدة لا تمثل سوى موضوع إنشائي لا يتعدى مستواه مستوى طالب في مراحل التعليم الأولية.

وبعضها تهريج وصف كلمات لا قيمة لها، وبعضها لاكه الكاتب مرارا؛ لأنه يكتب يوميا ولا يملك موهبة خلاقة، حتى أصبح بلا طعم ولا رائحة ولا نكهة.

وبعضها مجرد حبر على ورق .. لا يحمل حرارة نبض الكاتب، ولا يمثل سوى عملية روتينية سمجة، فقدت أنفاسها فماتت على الورق.

وبعضها مجرد إثارة مخالفات لآراء الغالبية؛ ليحصل على وجود خاص بين الكتاب ولو على حساب عقله وحتى دينه.

وبعضها أصبح مثل البريد اليومي، أو المنتديات العنكبوتية، يحشر فيه الكاتب كل ما هب ودب من كتابات القراء.

على أن العمود الصحفي مسؤولية خطيرة ينهض بها الكاتب الذي يحترم عقول القراء، ويتقي الله في المرحلة الحرجة التي يعيشها قومه، فلا يرتاد بهم إلا دروب الفضيلة والخير والتقدم والأمان. وكم مقالة أصبحت قرارا على مستوى الدولة، وكم عبارة أصبحت مشروعا، وكم كلمة قالت لصاحبها دعني!!

  • أنت من المتمكنين في كتابة المقال الصحفي فكيف تنظر إلى واقع هذا الفن في الصحافة السعودية.

أرجو أن أكون كما قلت، والسؤال هنا ينصب على الفن، والحكم الفني يحتاج إلى دراسة؛ وهو ما لم أقم به حديثا، ولكن نظرتي العامة من خلال التتبع المستمر لشئ مما يكتب في صحفنا، أن الغالب على كتاب المقالات الصحفية أنهم لا يكتبون بفنية، وإنما يكتبون بعفوية، تستهدف التعبير الفوري عن المعاني المراد صبها على الورق، ولا تبحث ـ بعناية ـ كما هو شأن الفن ـ عن مسارب وصور وأخيلة وأشكال مبتكرة. وربما تجد للكاتب/الأديب ـ وهم قلة في صحفنا ـ مقالة كل فينة وفينة يمكن أن تدرج في المقالة الأدبية. ولا بأس .. فالمقالة الصحفية ذات هدف اجتماعي أو سياسي تغييري، تخاطب عامة الناس، فإذا استخدمت لغتهم مع عدم الإسفاف فإنها ستحقق هدفها بشكل مباشر، ولا سيما أن قارئ الصحيفة ـ في العادة ـ لا يطيل مكثها في يديه، ولا يجد من الوقت ما يتأمل فيه ويستكشف ما وراء الكلمات.

ولكن على الكاتب الأديب ألا ينسى فنه، وأن يجعل له مقالات يحتفظ فيها بفنيته العالية ينشرها في المجلات المختصة، أو في كتاب خاص.

  • تعيش الأحساء هذه الأيام فرحة غامرة في ظل الموافقة السامية على إنشاء ناد أدبي، ما رأيك في هذه المكرمة، وهل تعتقد أن إنشاء هكذا ناد سيكون له أثر بارز في تنمية المشهد الثقافي والأدبي؟

هذه نعمة .. نشكر الله تعالى عليها، ثم نتقدم بالشكر الجزيل لمقام خادم الحرمين الشريفين على تفضله بالاستجابة لهذا المطلب الحيوي لبلد تعيش الثقافة منذ فجر التاريخ، لم ينضب لها قلم، ولم تعرف فترة خمول، ولا عصر ظلام؛ فالعلم والشعر والأدب سلسلة ذهبية لم تنقطع أبدا في بلادي.

ووجود ناد أدبي فيها سوف يكون له أثر مباشر على دعم مسيرة الثقافة فيها بإذن الله؛ فالثقافة فيها لا تزال مائجة متحركة في اتجاهات شتى.

وأملي أن يحظى هذا النادي بمجلس إدارة قوي وناضج، يريد أن يعمل ويقدم، لا أن يحقق به وجاهة اجتماعية أو سلطة ثقافية. وأتمنى أن يكون مقبولا من جميع التيارات المتواجدة على الساحة، مستوعبا لكل عشاق الحرف من رجال ونساء.

  • برأيك هل الصوالين/الصالونات/ الأدبية استطاعت أن توثق عرى الأدب والثقافة بين الأدباء والمثقفين، أم أن أغلب هذه الصوالين إنما هي في واقع الأمر وجاهة اجتماعية ثقافية؟

كثيرا ما تتهم هذه الصوالين بأنها أنشئت وجاهة اجتماعية تتبرقع بالثقافة، ولست أنكر أن كونها تنشأ ـ أحيانا ـ على أيدي من لا يمكن تصنيفه أديبا أحيانا يجعل هذا الاتهام واقعيا، إلا أنني لا أرفض وجودها على أيديهم، ولا أقف موقفا عدائيا منها، بل أرى أن يشكر هؤلاء الذين فتحوا بيوتهم للمثقفين، وتحملوا تبعة الارتباط الأسبوعي أو الشهري، واستضافوا الكلمة الجميلة والفكرة الواعية بكل أريحية وكرم، وما ينالون من شهرة وثناء هو جزاء طبيعي على كرمهم الذي بخل عنه أدباء قادرون ماديا على النهوض بهذا العمل الجليل.

ولكن ليس صحيحا أن يطلق لقب أديب أو شاعر على من ليس له علاقة بهما إلا الاستضافة فقط، ففي هذا كثير من المغالطة حتى له شخصيا، فليلقب بما شاء من الألقاب الاجتماعية المعززة لمكانته ولفعله النبيل، وليرفض هو هذه المغالطة.

ولنستفد من هذه الفرصة المتاحة لنشر الثقافة والوعي الاجتماعي، ومطارحة الشؤون الأدبية التي قد لا تجد متنفسا آخر يملك هذه الحرية في الاختيار والوقت والعفوية، والبعد عن الرسمية.

  • الألقاب الأدبية كثرت في وقتنا الراهن فهي تطلق على عواهنها بسبب وبدون سبب، ما رأيكم في ذلك؟

صدقت .. فهي أزمة حقيقية يعاني منها الوسط الثقافي، دفعت بالغثائية إلى الساحة الأدبية، ونأت بالجواهر. فلا غرابة أن ترى من يلصق باسمه اسم الأديب الناقد ويفرضه فرضا على الساحة، وهو ليس له ناقة ولا جمل في المجال الأدبي .. فهو لا يملك رصيدا في أي مجال من مجالات الأدب ألبتة .. ليس قاصا وإن كتب ما سماه قصة ، ولا شاعرا وإن كتب ما سماه شعرا، ولا يعرف أبجديات النقد الأدبي وإن أخذ شهادة علمية في التخصص نفسه.

هؤلاء يا أخي الكريم أفلسوا في المجال الذي استطالوا فيه، ولذلك فهم يبحثون عن منصب أدبي يغطي هذا الخواء .. أيا كان هذا المنصب ما دام له علاقة بالثقافة أو الأدب ليحظى بالألقاب المنفوخة، والجاه البالوني.

هؤلاء هم مصيبة الأدب والثقافة في عصرنا المادي .. إن مهمتهم هو البحث عن الشهرة وإن أذلوا أعناقهم، ونشر الشائعات عن الأدباء الحقيقيين وتشويه نتاجهم ليبقوا هم أصحاب الاسم البارز على الصحافة خصوصا، وفي بعض المجالس الوهمية التي قد تسمى ـ أيضا ـ صالونات أدبية، والتي أصبح بعضها مصنعا ورقيا للألقاب لبعض الحاضرين من أجل خروج أسمائهم في جريدة أو صورهم في صحيفة.

ولكن ثق بأن التاريخ الأدبي لا يخلد إلا الأصلاء، أما الدخلاء فلهم مكان خاص بهم في زواياه.

  • رأيكم في كلمات/

نادي المنطقة الشرقية: كان أدبيا، وأما الآن فقد أصبح سينما تعرض فيها الأفلام، وجمعية للفنون تعرض فيها الموسيقى والرسم، ومنتدى للسرد فقط يعزز القصة على حساب الفن العربي الكبير (الشعر). وأملي ألا يقع مجلس الإدارة الجديد فيما كان يتهم به مجلس الإدارة القديم من إقصاء لبعض أدباء المنطقة، وقد فعل.

الشيخ أحمد المبارك: رمز الأدب في الأحساء في العصر الحديث وشيخ أدبائها، والباعث لهذا الحراك الأدبي الذي يبرز في مجالسها بأحديته التاريخية.

الدكتور عبد الله الغذامي: قمة نقدية تجديدية متميزة أختلف معه وأتفق.

الدكتور حسن الهويمل: قمة نقدية لا تعرف الشيخوخة، ـ دائما ـ أجد نفسي في أطروحاته الرائعة.

الأستاذ محمد بودي: أحد طلبتي الذين درستهم في فرع جامعة الإمام محمد في الأحساء؛ ويمتلك طموحا وتطلعا أتمنى أن يكون طريقه إلى ما ينفعه وينفع مجتمعه.

الدكتور نبيل المحيش: صديقي في الجامعة، أكاديمي مختص في الأدب، لديه الآن صالون أدبي بدأ يشق طريقه نحو التألق الإعلامي.

  • أبرز إنتاجك الأدبي:
  1. ديوان شعر بعنوان : قلبي بين يديك.
  2. ديوان شعر بعنوان : على جناح الغادية.
  3. الشعر في الأحساء في العصر الحديث (دراسة نقدية معاصرة).
  4. شاعر الإنسانية المؤمنة : عمر بهاء الدين الأميري (دراسة نقدية).
  5. البناء الفني في شعر الأميري (دراسة نقدية).
  6. روميات أبي فراس الحمداني (دراسة نقدية).
  7. شعر الزهد في الكوفة في العصر الأموي.
  8. مجموعة من الكتب التوعوية كتبت بأسلوب أدبي.

 



اترك تعليقاً