( اللقاء ) : نحو رؤية وطنية مشتركة، تبين نظرة المجتمع السعودي بمختلف توجهاته، للآخر، وعلاقته به، وتعامله معه.

* أهمية الحوار الوطني ، وضرورته لترسيخ اللحمة الوطنية واستيعاب مختلف الآراء والاجتهادات لما فيه مصلحة الوطن والأجيال .

المرحلة الراهنة تتطلب مزيدا من التماسك الوطني ، والتسامي على الخلافات الشخصية ، والهروب من ضوضاء المجادلات العقيمة التي تحدث بين الرؤى المختلفة في داخل الوطن الواحد، والتي لا تنبت إلا شوكا وزقوما. ولكن لا بد من الحوار من أجل تحقيق أمرين : ردم الخنادق بين ما يمكن التوصل فيه إلى تقارب وجهات النظر ، أو الاتفاق عليه بين المختلفين ، والآخر : فرصة الكشف والتوضيح عن وجهة النظر التي يؤمن بها كل طيف ، والتي ربما يتناولها الطرف الآخر بتشنج حينما يكون تناولها فرديا ، ولا يجد الفرصة للدفاع عنها بحرية وهدوء ، واستماع لمناقشة الطرف الآخر.

هذا الذي نريد ، وهو الذي حققه ـ إلى حد لا بأس به ـ مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني من خلال اجتماعاته المتوالية.

* موضوع الحوار الوطني الخامس هو ( نحن والآخر .. رؤية وطنية مشتركة للتعامل مع الثقافات العالمية ) ماهي أبعاد طرح مثل هذا الموضوع في الوقت الراهن والعالم يعيش تحولات حضارية ويتجه نحو العولمة وزوال المسافات بين الشعوب وثقافاتها .. وما هي انعكاسات ترسيخ ثقافة القبول بالآخر و مردودها الوطني والحضاري .

أنا أعد عبارة ( ترسيخ ثقافة القبول بالآخر ) عبارة متجنية حينما أضعها نتيجة للحوار قبل أن يتم ، وهي ـ أيضا ـ عبارة غير دقيقة شرعا وعرفا ، فالحوار الذي يزمع عقده في المستقبل القريب  ـ إن شاء الله ـ هو الذي ينبغي أن يتفق على صيغة النتيجة ، ولا سيما إذا كانت بهذا الحجم. كما أنني لا أرى أبدا أن نسعى لقبول ثقافة الآخر بكل ما فيها ، لأن هذا الآخر فيها ثقافات صليبية ويهودية ووثنية ، فهل أقبلها ؟ كما أن في هذا الآخر مسلمون ينبغي أن أتقارب مع ثقافاتهم المستجدة لأتعرفها ، وما مدى نقائها بعد كل عمليات التغريب الذي تعرضت له.

إذا كانت فرنسا وبريطانيا رفضتا عولمة الأمركة رسميا في نواح كثيرة من الحياة ، وربما غيرهما كثير ، وهم جميعا من ثقافة دينية واحدة ، فهل يعقل أن نعمم النظرة فنقبل كل ما يأتي من الآخر والذي تتضمنه هذه العبارة الفضفاضة ؟

إننا ـ حقا ـ في حاجة ماسة إلى جزء كبير من ثقافة الآخر / المتقدم ماديا ؛ لأنها عصرية ، ومتجددة ، ومتقدمة ، و( نحن ) في طور النماء ، ولكن ما أقبله من الآخر هو الذي لا يتعارض مع شريعتي الإلهية ، التي لم تنزل لعصر واحد ، وإنما أنزلت لتحكم جميع العصور بلا استثناء.

نعم .. يجب أن نتعلم : كيف نتعامل مع ثقافة الطرف الآخر ، لا أن نقبلها كما هي .

يجب أن نعرف أن الآخر وضع في أول أولياته محاربة ثقافتنا ( ونحن بالنسبة له : آخر ) ، من خلال تدجين مفاهيمنا لديننا ، وحصره في العبادات الشخصية فقط ، وهو لا يتسامح معنا أبدا حينما يظفر بنا ، { كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ } [سورة التوبة 9/8] ) .

التعامل مع ثقافة الآخر قضية هائلة ، لا يمكن التساهل في التعبير عنها بعبارات مقتضبة ، بل يجب التفصيل والتوضيح والبيان ، ففرق بين أن أقبل بوجود ثقافة أخرى على أرض وطني يمثلها تيار ما ؛ فأتحاور معها لأصل معها إلى تقارب ، أو حتى إلى تعايش ، من أجل تحقيق بعد آخر ، وهو الأمن والاستقرار وبناء الوطن بناء لا خلل فيه . وبين أن تكون الثقافة من خارج ثقافة ديني ولغتي ، وهو تتعامل معي بطريقة متعالية ، تريد مني أن أنضوي تحت ردائها مرغما ، بقوة السلاح ، هنا لا بد أن أوقظ العزة في دمائي ، وأقف أمامها واحد رافع الرأس ، لأتحاور مع تلك الثقافة بكل حرية ودراية وموضوعية ؛ فأقبل منها ما يتوافق مع منهجي ، وأرد ما لا يتوافق ، ولا أقبل الدنية في ديني ، ولا أسمح لها أن تخترق علي حياتي التي محضتها لله تعالى :  {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } [سورة الأنعام 6/162] .

إن ما أخشاه هو الخلط الذريع بين الدعوة الوسطية إلى سعة الأفق في التعامل مع الآخر، والاستفادة من كل الثقافات ، وعدم محاربة من لم يحاربك ، وبين الدعوة إلى التهاون في الثوابت ، ومنح الآخر فرصة اختراق ثقافتنا ، والتأثير على أجيالنا تأثيرا سلبيا بعيد النظرة من قبله ، لمحاولة تأسيس أرضية تقبل مستقبلا متحكما في كل شؤوننا ، بعد أن روضنا أشبال اليوم وأسود المستقبل بالقبول بالآخر مهما كانت صفته .

هذه القضية من الخطورة بمكان بحيث لا تجوز فيها المجاملات الرسمية ، ولا التسابق لإرضاء ذوق طيف من الأطياف الوطنية بنية التقارب معه على حساب مستقبل الدين وأمن الوطن والشخصية الاعتبارية لبلادنا العزيزة .

إن شعوب الأرض العزيزة لا تقبل أن تكون تبعا لأحد ، ولكنها في الوقت نفسه تتحاور مع الثقافات الأخرى لتستفيد منها ، وتتلاقح لتنجب مزيدا من الجديد الذي لا يؤثر على هويتها، ولكنه يسعى بها نحو التقدم الحضاري والمادي.

* الحوار مع الذات ومع الآخر باعتبار ذلك أساساً دينياً وشرعياً .. ماهي سبل ترسيخ مثل هذا النهج في ظل القيم الدينية والشرعية ؛ ودور المؤسسات التعليمية والتربوية في صياغة النشء على هذه الأسس.

إذا آمنا بضرورة الالتقاء بالآخر ـ أيا كان ـ على مائدة الحوار ؛ لتخفيف حدة التوتر بيننا وبينه إذا كانت متوترة ، أو لتقريب المسافات الثقافية بيننا وبينه إذا كنا نتفق معه في أصل الثقافة والهوية ، ولطمأنته على حسن العلاقات بيننا وبينه أيا كان اتجاهه ، فإن أجيالنا اليوم في حاجة إلى عدة أمور لإعدادها لذلك :

أولا : من قبل الآخر : فلا بد أن يضع السلاح ، وينزع فتيل المؤامرات ، ويسكت عن التهديدات ، ويضع حدا لكل الاعتداءات على المسلمين في أنحاء المعمورة ، فإنك لا تستطيع أن تتحاور بأريحية مع أحد ، وهو يوجه البندقية إلى صدر أخيك ، وما وقع كثير من شبابنا في فخاخ الحروب المجاورة إلا بسبب غيرة لم تجد من يوجهها ، بل وجدت من يفتيها من مدعي العلم دون بصيرة ، فكانوا ضحية الجهل من الداخل ، والاستفزاز من الخارج من هذا الآخر .

ثانيا : توجيه الناشئة من خلال برامج النشاط إلى أدب الخلاف ، بعقد مناظرات وندوات وحفلات تؤكد هذا المعنى.

ثالثا : منح الناشئة فرصة الحديث ـ بحرية مطلقة ـ ومناقشة أساتذتهم فيما يطرأ عليهم من مشاعر محتدمة تجاه الآخر .

رابعا : عرض صور من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم في تعامله مع الآخر ، سواء أكانوا عربا مشركين أم يهودا أم منافقين ، أم غير ذلك .

خامسا : يجب ألا يغيب تربية النشء على معنى الدفاع عن الوطن ضد الآخر في حال اعتدائه ، مهما بالغنا في ضرورة تربيته على الحوار معه .

* كيف ترى مشاركة الشباب من الجنسين في اللقاءات الفكرية  وورش العمل الحوارية التي ينفذها مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني في كافة مناطق المملكة .

هي صورة حضارية ، تربوية ، يجب التمسك بها وتطويرها ، فإن الشباب أنفوا من كثرة ما يسمعون ، وها قد جاء الوقت الذي فيه يتحدثون لنستمع نحن منهم .