رمضان .. فرصة للإصلاح

جريدة الخليج الإماراتية/

س/ رؤية هلال شهر رمضان بعين المجردة ، شرع مؤكد لدخول شهر رمضان، فمع تطور العلم والتقنيات المتاحة لماذا لا يكون هناك اتحاد مع هذه التقنيات وتظل الرؤية الشرعية هي القرار الأخير والمؤكد شرعا؟

ج/ في البدء أشكر لجريدة الخليج منحي فرصة الإطلالة على قرائها الكرام من خلال هذا اللقاء الرمضاني، وأسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن صام رمضان وقامه إيمانا واحتسابا فغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:”صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته”، فثبوت رمضان في ابتدائه وانتهائه يكون بالرؤية البصرية لا بالحساب الفلكي، قال صلى الله عليه وسلم ” لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فاقدروا له”، رواه البخاري وغيره. ولفظ الترمذي: “لا تصوموا قبل رمضان، صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن حالت دونه غيابه [سحابة] فأكملوا ثلاثين يومًا”. وأما عن المراصد التي تقرب الرؤية للعين كالتلسكوب ونحوه فقد ذكر سماحة مفتي عام المملكة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ بأنه جاء الإذن من الإفتاء باستخدامها في ترائي الهلال حين يحتاج إليها. ولعل هذا ما يتوافق مع رؤيتك ورغبتك في الاستفادة من المراصد الحديثة فيما لا يخالف الشرع. ولا يزال الحوار العلمي قائما بين الفلكيين والشرعيين في قضية العمل بالحساب الفلكي، وكل من الطرفين ـ حتى الآن ـ مقتنع برؤيته الخاصة.

س/ ما الطرق المثلى لاستثمار أوقات رمضان بالطاعة دون الإخلال بواجبات العمل والوظيفة ؟

ج/ ديننا دين للحياة، وأوامره ونواهيه مبنية على قواعد وأسس، من بينها قول الله عز وجل: {فاتقوا الله ما استطعتم} [سورة التغابن:16]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: “لا ضرر ولا ضرار”، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((دعوني ما تركتكم إنما أهلك من كان قبلكم سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)) رواه البخاري. ومن هذا المنطلق فإن ديننا يحث على أداء العمل والإحسان فيه، وإتقانه، فليس صحيحا أن يبرر أحدنا لنفسه التقصير في العمل بسبب كونه صائما، بل عليه أن يستشعر أن الصيام قوة للقلب، وصحة في الجسد، وأنه عبادة كما أن العمل عبادة أيضا إذا كان مباحا وابتغى به العامل وجه الله تعالى، وعلى أصحاب العمل أن يخففوا عن موظفيهم فيه، وأن يجعلوا جزءا منه ـ إذا ناسب ذلك ـ بعد الإفطار، وهو ما أوصي به بالنسبة لعمال المنازل خاصة من خدم وسائقين. كما أن المسلم ينبغي ألا يفوت فرص الخير الكثيرة في هذا الشهر المبارك، فيكثر من الذكر في كل وقت، وهو ما يمكنه أن يقوم به وهو يعمل أي عمل مهما كان، وأن يحرص على الفرائض في وقتها، وأن يؤدي النوافل الراتبة وغيرها، وأن يقوم مع الإمام حتى ينصرف كل ليلة ليكتب له قيام ليلة، وأن يكثر من قراءة القرآن فيجعل له ختمات وليس ختمة واحدة، وأن يزكي ويتصدق من أمواله، وأن يزور أرحامه، وأن يعتمر في رمضان كل ذلك دون أن يخل بعمله الذي ينفق منه على نفسه وعلى عياله، فمن رتب أوقاته، وصحت نيته، تباركت بإذن الله تعالى حياته، فصنع فيها ما لم يستطع غيره أن يصنع في أضعافها.

س/ البذخ والإسراف في المأكل والمشرب ، ظاهرة أصبحت في تزايد على رغم موجات التوعية ضد هذا التوجه، ما الحل من وجهة نظرك ؟

ج/ الحل يبدأ من داخلنا، حين نوقن بأن النعم تزول بالكفران، كما تدوم بالشكران، ومن كفرانها الإسراف فيها، ويكفي المبذرين أنهم إخوان الشياطين، وكان الشيطان لربه كفورا، ثم علينا أن نقنع أهلينا وأولادنا بأن الإسراف في الأكل والشرب مخالف للفطرة، ومضر للصحة، ومؤثر على مستقبل الإنسان في حياته العملية والزوجية، فما ملأ ابن آدم وعاء شار من بطنه، {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا} أمر إلهي عظيم، ولا يأمرنا الله تعالى إلا بما فيه الخير لنا، وأقترح أن يقوم أفراد الأسرة بتذكير بعضهم بعضا بهذه القضية، وأن توضع كميات الأكل على السفرة بحيث تكفي الجميع دون زيادة، فإن كثرة المعروض وتعدد الأنواع يغري بمزيد من تناول الأكل، ثم يتضرر الجسد، وتخفت الروح التي كان ينبغي أن ترفرف بالصوم والعبادات الكثيرة في شهر رمضان المبارك.

س/ المعلمات والموظفات يواجهن بعض المشاكل في الوقت .. تعمل حتى الساعة الثالثة وبعدها تعتكف في المطبخ حتى المغرب ، مما قد يؤدي إلى تقصيرها في أداء التراويح أو بعض العبادات ( نوم ، عمل ، مطبخ ، تحضير … إلخ ) ما توجيهك لهذه الإشكالية ؟

ج/ كان الله في عون (الموظفة، الزوجة، الأم) فهي ليست متعبة في رمضان فقط، وإنما هي متعبة طوال فترة شبابها، ولها أن تختار أن ترتاح بتقصير المشوار بالتقاعد المبكر، لتتفرغ لبيتها وأسرتها وزوجها وتربية أولادها، وتستمع بما جمعته خلال عملها.

وأما إشكالية رمضان، فإن المرأة التي تقع في هذه الإشكالية تلجأ إلى كثير من الأساليب الذكية؛ مثل إعداد بعض الأطباق في شعبان وتثليجها، وإعداد بعض المأكولات ليلا أو سحرا، وتقوم في النهار بتسخينه أو تهيئته التهيأة النهائية، ويمكنها أن تستعين ببناتها وخادمتها بل حتى الشباب يمكن أن يقفوا مع أمهم في عمل أسري مشترك مفعم يالجو الباسم الذاكر في الوقت نفسه.

كما أن عليها أن تقلل من المطبوخات حتى لا تنهك بحرارة النار والوقوف الطويل على الفرن، وحتى لا يفوتها الزمن الذهبي للعبادة؛ فرمضان لا يأتي إلا مرة واحدة في السنة، فإذا ذهب في عمل وطبخ لم يبق للصلاة والعبادة إلا جسد منهك وروح متعبة. إذا اقتنعت المرأة بأن شهر رمضان للعبادة وليس للأكل والشرب فهذا أول المشوار لإعطاء رمضان حقه وحرمته وقدسيته.

س/ انتشرت مؤخرا ظاهرة رفع مستوى مكبرات الصوت الخارجية لصلاة التراويح ، على الرغم من توجيهات إدارة الأوقاف لمنع ذلك ، فما رأيك في رفع الصوت الخارجي لمكبرات الصوت في التراويح ؟

ج/ إن كنت تقصد فتح المكبرات الخارجية ، فإني لا أعرف أن هناك توجيها بهذا الخصوص في صلاة التراويح، بل التوجيه في صلاة القيام في السحر في العشر الأواخر، وهو ما أرى أنه صواب، لأن الناس حينئذ يكونون بين نائم وقائم ومريض وصاحب دوام في الصباح.

وأما فتح المكبرات في صلاة التراويح فإنه يضفي على الحياة جوا روحانيا مشعا بضياء القرآن وألوان الدعاء، لا حرمنا الله منه، وكل الناس متيقظون في العادة خلال هذه الفترة، فليس ثمة إزعاج، ولعل قلبا قاسيا منهمكا في معصيته وبعده عن الله، كان معتكفا على فضائية خليعة، أو موقع إباحي يلين قلبه، ويحرك القرآن مشاعره، فيأتي ليسمع هذا الصوت الحسن، وتلك النداءات الإلهية، فيدخل بيت الله فينشرح صدره للطاعة وتكون بداية التوبة والإنابة والاستقامة.

وإن كنت تقصد رفع صوت المكبرات بحيث تكون مزعجة للجيران ومتداخلة مع المساجد المجاورة، فهو ما يطالب به كل عاقل، فالقرآن لا يُؤذى ولا يؤذى به. وأتمنى من جميع الأئمة في مساجدنا أن يراجعوا هذا الأمر منذ مطلع الشهر المبارك.

س/ الفضائيات ومتابعة الجديد حول زخم القنوات أصبح الشغل الشاغل لجزء كبير من المجتمع ، تعليقك على ذلك ؟

ج/ يؤلمني ويؤلم كل مؤمن بالله أن يصبح شهر رمضان المبارك ميدانا خصبا لكل الأعمال الفنية السمجة، التي تخالف شريعة الله بالغناء الفاحش، والتمثيل المختلط، والفوازير التي تقدمها خليعات الجسد والخلق، ومن يتابع الإعلانات الصحفية منذ شهر تقريبا وهي وتضخ لنا أسماء الأفلام والمسلسلات والبرامج التي تذبح فيها حرمة شهرنا المبارك على مشهد من عين العالم أجمع .. فوا حسرتاه يا أمة الإسلام العظيم!!

وقد شعرت بغصة حارقة حين رأيت خبرا في صحيفة محلية يقول: فلان بن فلان يحيي شهر رمضان في ألمانيا، وجاء في الخبر، أن الحفل الغنائي الذي سيقيمه هناك بمناسبة بدء شهر رمضان المبارك، ويشارك في الاحتفال عدد كبير من الفنانين والفنانات العرب والمسلمين على أكبر مسرح فني في أوربا!!! ما الذي حدث لأمتي حتى أصبح شهرها العظيم مسرحا لنجوم الطرب والفن الرخيص، الذي تنتهك فيه حرمات الله بالتخلع والتمايل والاختلاط المحرم …

س/ انتشرت مؤخرا في رمضان وجود فقراء يتجولون في الحارات و يطرقون البيوت ويسألون مالا أو طعاما ، فهذا مخالف للقانون ، رأيك في هذه الظاهرة ، وهل ترى مد يد المساعدة لهم ؟

ج/ رأيي سجلته في أكثر من وسيلة إعلامية، وقلت إن مثل مجتمعنا الذي نظم مساعدة المحتاجين يجب أن تظل هذه المساعدة في إطار واحد وهو المؤسسات الرسمية، حتى لا يستغل المندسون والإرهابيون وغيرهم من أهل الباطل أو المحتالين لأكل أموال الناس بالباطل، والناس هم الذين يشجعونهم بالطبع، فلو كف الناس عن إعطائهم، ووجهوهم إلى الجهة المختصة لانتهت الظاهرة، ولو أن كل من لديه زكاة أو صدقة ذهب بها إلى مكانها الطبيعي لوصلت إلى المستحقين، وتحقق بها فضل عظيم.

وقد سعدت كثيرا حين أخذت الجهات الأمنية بزمام الأمر بأن أصبحت هي المسؤولة عن القبض على المتسولين؛ لأن (مكافحة التسول) جهاز محدود الصلاحية والقوة، ويكفي أنه يقوم بالتعامل مع المتسول إذا قبض عليه، وعلى المواطنين أن يقوموا بالتعاون معهم، ودلالتهم على هؤلاء ليميز الناس الصادق من الكاذب.

وأشير هنا إلى أن أكثر المتسولين ليسوا سعوديين، ومعظم الجمعيات الخيرية مختصة بالسعوديين، فأود معالجة هذا الموضوع بإنشاء جهة خاصة تتعامل مع مشكلاتهم المالية بما يراه المسؤولون المعنيون بالأمر.

س/ تعويد الطفل على الصوم ، ما الطرق المثلى لذلك ؟

الطرق كثيرة جدا، ولعل أبرزها بث روح الإيمان بالله تعالى وحبه في الطفل، وتشجيعه على الحصول على الأجر، ويمكننا أن نصوم الطفل في البداية يوما أو يومين أو أكثر بحسب قدرته، ويمكننا أن نأخذه معنا نهارا للتسوق أو لعمل بعض الأعمال الخفيفة في المطبخ للإفطار، أو نلهيه باللعب كما كان الصحابة يفعلون مع أطفالهم، حيث يلهون الأطفال باللعب حتى يحين الإفطار. ولا ينبغي أن نشق عليهم حتى لا يكرهوا الصوم والعبادة، بل نشجعهم بأنهم أصبحوا كبارا، وأنهم قادرون على الصيام بإذن الله، وحين يتعب أحدهم نقنعه بالإفطار فورا، ونبين له أن ذلك جائز شرعا لأنه لم يستطع هذه المرة وسوف يستطيع في المرات القادمة بإذن الله تعالى.



اترك تعليقاً