الطفل و التكنولوجيا

يولد الطفل موهوبا بملكة التفكير، وتبقى كامنة حتى تجد البيئة القادرة على استثارتها وتحريكها وتنميتها، تلك البيئة الفاعلة، التي تحترم الطفل، وتقدر محاولات الاستكشاف التي يرتادها، دون تعنيف على كسر تحفة، أو ضرب على فك لعبة، ثم تجيب أسئلته واحدا واحدا دون تذمر أو مراوغة أو تأجيل مستمر، وتضع بين يديه كل الأدوات والألعاب التي تنشط حواسه الخمس، وتجعلها تشتعل حماسة وهي تخترق جدر هذا العالم الملئ بالجديد أمام عيني الطفل. 

وجاءت التقنيات الحديثة، فأصبحت كالمشرط؛ إذا وقع في كف طبيب اجتث به داء، وأصلح به شريانا، وإذا وقع في كفي معتوه، قتل به بريئا أو جرح به نفسه.

التقنيات الحديثة ووسائل التكنولوجيا يمكن أن تسهم إسهاما فاعلا في تطوير ملكة التفكير لدى الطفل؛ حين تكون أداة طيعة في يده، يديرها هو، ولا تديره هي، وحين نختارها بعناية فائقة؛ نظرا لحساسية المرحلة العمرية التي يعيشها، فهو مقلد حساس يلتقط دون انتقاء، يخلط بين الواقع والخيال، كما أن أعصابه في غاية الرقة والتأثر بما حولها، ولذا فإنه كثيرا ما يرهق مخه بما لا طائل تحته، من خلال بعض الألعاب الإلكترونية السخيفة، التي تستخف عقله، وتهزأ بمخه، وتخاطب فيه الهابط من ملكاته، من حب للتسلية والمرح.

إن طفل القرية والريف قليل الإمكانات (وليس معدومها) كثيرا ما يحظى بفرص للتفكير والإبداع أكثر من الطفل المرفه في المدينة؛ نظرا لأنه يقوم بنفسه بصناعة ألعابه، ويبتكرها بدلا من أن يشتريها، وتعيش حواسه في أمان من سلطة الإشعاعات، وبريق الألوان، وضغط التوتر الشديد الذي يلقاه الطفل الغارق في البيئة التكنولوجية المحضة، الذي لا يدري ما يأخذ وما يذر، ولا يبقى له وقت ليبدع؛ إلا إذا جعلنا التكنولوجيا تخدمه في هذا الإطار من خلال تدريبه على تعلم اللغات من خلالها، أو ممارسة الإبداع التصميمي، أو كتابة ما يحتاجه خلال تعلمه، أو برمجة، أو دبلجة، أو إحداث تغيير في الأفلام والصور التي بين يديه على شاشات الآلات المختلفة، كل ذلك تحت رعاية وكشف كامل أمام الوالدين أو من يقوم مقامهما في المنزل أو المدرسة؛ حتى لا تجره التكنولوجيا إلى مهاتراتها السيئة.

وأخيرا رب طفل طفرت به التكنولوجيا في مجال التفكير فأصبح من علماء الدنيا وعظماء الأرض، ورب طفل آخر وضعته في مزابلها؛ مع الاعتذار لبصر القارئ وخياله الكريم.



اترك تعليقاً