لماذا نتخاصم ولا نتحاور ؟

  • حتى متى نضيق بالاختلاف في تطارح آرائنا ووجهات نظرنا ؟ 
  • لماذا نصل ـ كثيرا ـ إلى طرق مسدودة ؟ 
  • لماذا ندعي أننا موضوعيون ثم نرفض الحق الواضح لمجرد التصميم على كلمة تفوهنا بها في ساعة انفجار للعواطف المكبوتة ، غير المتزنة ؟ 
  • هل هذا هو عنوان قوة الشخصية ، أم عنوان تذبذبها ؟ 
  • لماذا نلمز الناس بالجهل وأمية الفكر والكذب وسوء الفهم وسقم العقول والسخف حينما نحاورهم ، بينما هم يحترمون شخصياتنا وآراءنا ؟ أليس هذا من علامات التوتر النفسي، وضعف الحجج ؟! أهذه كتابة المحب كما ندعي أم الساخط ؟
  • لماذا نبريء أنفسنا من الهوى ، ونطالب الآخر بعدم الانجراف وراء الميول الشخصية ، ونبيح لأنفسنا إلصاق هذه التهم بالآخرين صراحة ؟
  • كيف نقبل أن نحول الحوار الفكري إلى ألفاظ ساخرة واستهزاء واستهتار بالآخر ، تهدم شخصية صاحبها قبل أن تمس شخص من تقذف عليه .
  • إنني مؤمن إيمانا كاملا بأنه لا يوجد بشر معصوم من الخطأ إلا الأنبياء ، فكيف بمن   لا يعدو أن يكون مجرِّبا في ميدان الحياة ، يخفى عليه منها أكثر مما يظهر ؟ فلماذا لا يقبل أحدنا نقاش الآخرين لما يطرح بصدر رحيب ، والمفكر المبدع يعلم أن من يجتمع الناس ـ بكل توجهاتهم ـ على آرائه هو الذي لا يحمل شخصية ثابتة ، فهو يطير مع كل ريح ، ويرضي كل الأذواق ، كما أنه ليس صاحب تفكير حر ، وإبداع متجدد يفاجيء أصحاب التفكير التقليدي النمطي بما يجعلهم يبهرون ، ثم يسارعون إلى الرفض دون محاولة للفهم ، ومن يهرب من نقد هؤلاء ويخاف منه ليس جديرا بأن يحتل خانة في سجل المفكرين والكتاب والمصلحين .
  • لكن المشكلة تجثم في شخصية من لم يعتد أن يقول له أحد : عفوا لست معك في هذا الرأي .. خوفا من ثورته وغضبه …
  • والمشكلة كذلك عند من لم يتعود على التصريح باختلاف وجهة نظره مع الآخرين أصلا ، وتسود حياته المجاملات ، وكل اختلافاته مع غيره غيبة ونميمة ؛ وهي لا شك هزيمة نفسية ، وضعف في الشخصية .
  • والمشكلة ـ أيضا ـ لدى المجتمع الوديع المجامل ، الذي يفسر أي هجوم على رأي أحد من الناس على أنه نيل من شخصيته وتنقص من مكانته ، ولذلك يتعامل مع ما يطرح من اختلافات مذاعة بعدة وجوه ، فهناك الكاره لوجود أية خلافات علمية أو فكرية تنحو منحى الحوار المعلن على الصحف مهما كانت مفيدة ؛ خشية النزاع والشقاق . وهناك المحب للشخص الواقع عليه النقد ، وهنا ترتفع أصوات الهواتف والرسائل الودية التي تنعش العواطف، وتؤكد تنامي العلاقات الاجتماعية والصداقات ، ومثل هذه ( الفزعات ) تصدق عليها قاعدة (( انصر أخاك ظالما أو مظلوما )) ، فهناك من ينصح بالتزام الحق وعدم بخس الناس حقوقهم الأدبية ، وهناك المحرض الذي يستفيد من النزاع لشخصه على حساب الداخل في أتون الحوار . وهناك الحاسد الحاقد ، الذي يتداوى بمثل هذه الكتابات التي تشفي صدره في محسوده حين يقع فيه الآخرون بالثلب والنقد ، وهو شفاء وهمي ، إذ سرعان ما يعود الجرب إلى قلبه من جديد ، يستدعي حكة جديدة ، وليس من الأخلاق الدنيئة مثل الحسد عدلا وإنصافا .. بدأ بصاحبه فقتله .
  • إنني أنادي القائمين على صفحات القراء في صحفنا السيارة ، والقائمين على المنتديات في عالم الشبكة العالمية، أن يميزوا بين الكتابات التي ترسل إليهم ، فليس من حقهم أن يجعلوا من صفحاتهم موقعا من مواقع تبادل الشتائم ، أو تصفية الحسابات الشخصية ، بحجة إتاحة الفرصة للجميع للتعبير عن آرائهم ، فهناك فرق كبير جدا بين الحوار حول الفكرة لإنضاجها وبلورتها ، وتطارح الآراء المتباينة حولها ، وبين الحديث القادح في شخصية صاحبها ، حتى لتتحول بعض مقالات القراء إلى حشد من الصور الشوهاء تلصق في ظهر شخصية كاتب مسالم ، لا يبحث عما يكتب عنه ، فضلا عن أن يمتهن قلمه بالرد على حاسد أو حاقد أو باهت بالباطل والإثم !!
  • أيها المتحاورون على أعمدة الصحف، وعلى صفحات النت : نريد نفسية من يقول: (( ما حاججت أحدا إلا تمنيت أن يكون الحق على لسانه )) . فالحوار لطلب الحق وحده ، وليس لمغالطة النفس وفرض الرأي على مذهب (( خذها بالصوت )) ، فالصراخ والسباب عند أحد المتحاورين لا يعني سوى الإفلاس في القضية المتحاور فيها ، إذ لو كان لديه شيء لقاله بدل هذه الشتائم .
  • ولقد أعجبتني مقولة ابن حزم رحمه الله : (( من أراد الإنصاف فليتوهم نفسه مكان خصمه فإنه يلوح له وجه تعسفه )) . فيا ليتنا نفعل كلما وقع بيننا خلاف ..
  • ودمتم أكثر صفاء ورقة وروعة ..

نبضات من شعري ..

أَتَعْتَبُ ! وَالقَلْبُ  – قَلْبُ المُحِبّينَ – لاَ يَعْتَبُ

يَظَلُّ .. يَظَلُّ .. يُدَاوِي الجِرَاحَ ..

بجُرْعَةِ حُبٍّ .. وَبَلْسَمِ صَبْرٍ ..

وَيَلْتَمِسُ العُذْرَ .. لَوْ يَكْذِبُ !

وَلاَ يَخْدِشُ النُّورَ مَهْمَا تَزَيَّنَ مِنْ حَوْلِهِ الغَيْهَبُ

إِلىَ أَنْ يَحِينَ اللِّقَاءْ ..

وَتَغْدُو العُيُونُ يَنَابيعَ مِنْ لَهْفَةٍ .. مِنْ ضِيَاءْ

هُنَاكَ هُنَاكَ يَشِعُّ الصَّفَاءْ

وَيَرْتَحِلُ الحُزْنُ . . وَالدَّمْعُ . . وَالذِّكْرَيَاتْ . .

وَلاَ . . ليس يَبْقَى على القَلْبِ غَيْرَ الَّذِي . .

سَقَيْنَاهُ مِنْ قَطَرَاتِ المَطَرْ ..

فَأَثــْمَرَ . . رَغْمَ التَّصَحُّرِ . . رَغْمَ اصْفِرَارِ الشَّجَرْ

فَيَا لِسُؤَالٍ تَجَرَّأَ . . حَتَّى إِذَا مَا خَطَرْ

وَضَوَّءَ . . مِثـْلَ شِهَابٍ تَخَيَّلَ جَوْفَ الدُّجَى فَانْحَدَرْ

تَجَلَّتْ لَهُ الشَّمْسُ ، فَانْهَارَ . . وَانْهَارَ . . حَتَّى انْتَحَرْ



اترك تعليقاً