كثيرا ما نقف أمام العرض لنعالجه، وننسى أنه نتاج مرض يستشري داخل البدن، وما نراه مجرد دمامل تدل عليه، فمهما حشدنا لها من المراهم والمطهرات، فسوف تنبت مرة أخرى.
قضية هروب الفتيات نتيجة لنوع من العنف الذي يمارس ضدهن في المنزل، وليست ظاهرة محلية، بل هي ظاهرة كبيرة وهائلة على مستوى العالم، هذا ما أكدته دراسة جديدة أصدرتها الأمم المتحدة وأفادت بأن العنف يمارس ضد البنين والبنات داخل بيوتهم، وعلى أيدي ذويهم، حتى بلغ عدد الضحايا ما دون 18 سنة 73 مليون صبي، و150مليون فتاة في العالم.
وفي المملكة العربية السعودية بلغت نسبة العنف الأسري المبلغ عنها لحقوق الإنسان 22% من إجمالي 5600 قضية. وتذكر دار الحماية بجدة أنها تلقت بعد إنشائها بـ 11 شهرا أكثر من 100 حالة مورس ضدها العنف الأسري. ولك أن تشده معي حين تعلم أن مستشفيات الرياض وحدها تتلقى من 11-16 حالة محاولة انتحار من الفتيات شهريا، وليس هروبهن فقط، وذلك في دراسة من قسم الدراسات الجامعية بجامعة الملك سعود، للدكتورة سلوى الخطيب، عن «العنف الأسري الموجه ضد المرأة في مدينة الرياض» عام 2006م.
وجاءت نتائج الدراسة بناء على بحث ميداني على الحالات الواردة إلى مستشفى الرياض المركزي والمركز الخيري للإرشاد الاجتماعي، إذ أكد الاختصاصيون الاجتماعيون في المستشفى أن هناك 96 محاولة انتحار من النساء أدخلت المستشفى بواقع 16 حالة شهرياً. واعتبرت أن هذه الظاهرة تعبر عن «الرفض لما يحدث من عنف أو تسعى إلى جذب الاهتمام». والهروب نوع من التعبير عن هذا الواقع المزري.
الواقع أن الفتاة في بلادنا تعيش أزمة الفهم المغلوط، والكبت غير المبرر، والفراغ الناشئ من الحياة المرفهة، وأسباب الشرور من الفراغ كما يقول الشاعر.
وهناك حلول كثيرة لهذه القضية؛ منها:
1. تجسير العلاقة بين الفتيات والآباء والأمهات، وردم النفق المحفور تحت البناء الأسري، وذلك بالتعبير عن العواطف السامية بصراحة وبألفاظ حية، كالحب والشوق والتقدير والاحترام.
2. إعطاء الفرصة للفتاة للحديث الصريح، وعدم تكبيل لسانها باسم العادات والتقاليد والقيم، بل إن القيم الحقيقية تعطي الفتاة حقها الكامل في التعبير عن مشاعرها، والدفاع عن مواقفها.
3. رفع الملامة والإهانات وتوجيه التهم، وتعويض الفتاة عن الحرمان الذي تجده بسبب أي ظروف تنالها، سواء أكان ذلك من خلال عدم الزواج، أو الإخفاق في الاختبارات، أو أي موقف محرج، والمرأة حساسة للغاية.
4. الشعور بالذنب مهم، ولكن الشعور بأن الله غفار الذنوب أهم، ولذلك فإن من غير العدالة أن تتاح الفرصة للشاب بأن تتغير نظرة المجتمع له بعد أن يقع في أخطاء شنيعة وكبيرة، وتمحى كل سيئاته، بينما تبقى الفتاة ضحية له، لا تغتفر ذنوبها، ولا تقبل توبتها، وتظل لعنة الخطيئة تطاردها. نعم هي مجرمة بفعلها، ولكن الله يتوب على من تاب.
5. أقترح دعم التدريب على فنون العلاقات الأسرية، ولا سيما بين الآباء والأولاد ذكورا وإناثا؛ لتأهيل الطرفين لمعاملة أكثر أمنا.
6. فتح مراكز حماية في جميع محافظات المملكة، وليس في المناطق فقط، مع تزويدها بالمؤهلات علميا وتربويا ونفسيا.
7. فتح مراكز مهارات الحياة للفتيات في كل محافظة وقرية؛ لتدريبهن على تحمل المسؤولية، وحسن التعامل مع المشكلات، وتدبير أمورهن، وملء فراغهن بالأجمل والأكمل.
- توظيف ضحايا العنف الأسري؛ لإشغالهن واستثمار طاقاتهن فيما ينفعهن وينفع مجتمعاتهن.
9. حراسة الفضيلة؛ من خلال تكوين موقف دولي عربي موحد ضد الإعلام الفاسد المفسد الذي أهان المرأة والفتاة إهانة بالغة حين عرضها في مشاهد مريبة وداعرة.
- تقوية الوازع الديني لدى الفتيات؛ لمنحهن قوة الصبر والتحمل والاحتساب، والبعد عن الشرور.
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.