لا يزال الحجاج الماليزيون يتسنمون ذروة المثالية في موسم كل حج؛ في سلوكهم الرفيع، وتعاملهم المتميز مع بقية الحجاج، ونظافتهم، وحرصهم على أداء مناسكهم دون أية تأثيرات سلبية على الآخرين. وكل الناس يتحدثون عن هذه التجربة الناجحة، والمتكررة النجاح كل عام، ويتمنون الاستفادة منها لدى الدول الأخرى ، ولكني لم أسمع بأن هذه التجربة استنسخت في دولة أخرى بالفعل.
الحج ليس رحلة سياحية يتفرق الناس في اختيار وجهتها ،وأماكنها وبرامجهم فيها ، بل وأوقات كل برنامج فيها. ولا يتعامل معها سوف نفر من الناس بمحض إرادتهم ؛ فيكفي لعمل ذلك كله وتنظيمه شركات سياحية متنافسة على الجودة العالمية وتكثيف الخدمات. الحج عبادة مقننة بوقت معلوم ، وأماكن محدودة ، ذات مساحات محدودة، وهو فرض على كل مسلم ومسلمة مستطيع ، أي أنه مشروع أكثر من مليار إنسان ينتظرون دورهم فيه باستمرار وتجدد ، ويؤدى كله في ظل دولة واحدة أعانها الله على هذا العبء وأيدها بتأييده. هذه المفارقة تضعنا أمام حقيقة هي أن الجهد الفردي للاستعداد للحج لا يمكن أن يكفي للخروج بحج مثالي ( في صورته العامة ) . أي أنه لا بد من جهد دولي مدروس بعناية لإيفاد الحجيج وقد تصوروا الحج كما هو في الواقع ، وكما ينبغي أن يؤدى قبل أن يفدوا، ولاسيما من الدول الأخرى التي يكون معظم وافديها يزورون البقاع المقدسة لأول مرة في حياتهم.  

سمعت عما تقوم به وزارة الحج منذ أعوام؛ حيث تنظم ورش عمل تقوم بتوعية الحجاج في بلدانهم ؛ مُشَكَّلةً من عدة جهات مثل الصحة والدفاع المدني ومؤسسات الطوافة كما ترسل عدداً من الأساتذة ؛ لتفادي وتجنب بعض السلوكيات الخاطئة التي تصدر من بعض الحجاج وأصبحت دول مثل الباكستان والهند تنشئ مدناً للحجاج في بلدانهم قبل سفرهم يتلقون فيها محاضرات توعوية وتطبيقات ميدانية خففت ولله الحمد من السلبيات التي تقع منهم ولهم. ولعل التجربة الأردنية كانت إحدى ثلاث تجارب عرضت في ماليزيا حيث لاقت استحسانا كبيرا هناك، واختير الأردن كمركز إقليمي للتدريب على تنظيم بعثات الحج، حيث عقدت أول دورة عام 2001م، ولكن المعلومات حولها لا تزال غائبة عن كاتب هذه السطور وربما عن كثيرين غيره ، وبودنا لو فرحنا بنجاحها. إن (( دولة ماليزيا نجحت نجاحاً باهراً في توعية حجيجها من خلال توعية مدروسة ومركزة وهي تجربة رائدة ؛ حتى انعدمت السلوكيات الخاطئة بين حجيجهم لدرجة أن وزارة الحج ومن خلال مؤتمر كوالالمبور نقلت هذه التجربة للمؤتمر حتى تتم الاستفادة منها من قبل الحجاج الآخرين )).  

وهناك من ينادي بتفعيل دور الملحقيات الثقافية التابعة لسفارات المملكة في مختلف دول العالم في  هذا الجانب وذلك بالتنسيق مع الوزارات المعنية في بلدان الحجاج وتبصيرهم بخلق المسلم أثناء أداء هذه العبادة وتجنب ما يخل بها من سلوك وتعامل. وآخر يرى أن وزارة الحج ووزارة الخارجية ممثلة في السفارات السعودية في الخارج وأثناء منح التأشيرات ينبغي أن تقوم بإعطاء الحجاج كتيبات وبرامج وأفلاما تكشف السلوكيات الخاطئة والسلوكيات الجيدة خلال الحج وتكون بصورة مبسطة يفهمها الحاج أيا كان مستواه التعليمي. والواقع أن هذا الجهد كبير وضخم ، ويجب أن تقوم به الدول العربية والإسلامية نفسها لحجاجها؛ فهي مسؤوليتها أولا وأخيرا، ولا يلقى العبء على وزارات بلادنا ، وإن كانت بعض تلك المقترحات يمكن الإسهام فيها ، ولا سيما ما يتصل بجانب التوعية والمطبوعات.

وفي الداخل لنا أن نتساءل : ما الذي يمنع مِنْ تدريب مَنْ يريد الحج منا ، على مناسك الحج كلها بالطرق الإلكترونية الحديثة ، التي تدخله في جو مشابه لجو الحج، حتى لا يفاجأ بشيء ، فيتمكن من أداء هذه الشعيرة، بيسر وسهولة؟ ما الذي يمنع من أخذ الناس بالعزيمة ، بحيث يقرر من وزارة الحج بالتعاون مع وزارة الشؤون الإسلامية على أن يدخل كل حجاجنا في الداخل في برنامج متكاملة ، تقوم به الحملات نفسها ، يحتوي على دروس شرعية ، وإسعافية، وأخلاقية في التعامل مع الآخرين ، مستعينة بالأساليب التدريبية الحديثة ، التي أثبتت نجاحها. كل شيء مستحدث ربما يجد مناهضين ، ومقاومين ، ولكن إذا حمله من يؤمن به ، فسيجد طريقه نحو التحقق والنفع العام بإذن الله.

المهم أن نؤمن بجدوى الفكرة ، ونخطط لها ، ثم ننفذها بعزم وحزم ، من أجل حج أكثر أمانا وراحة وقبولا عند الله جل جلاله..