طوق النجاة (11)

تمر الأمة الإسلامية اليوم بمحنة عظيمة ، لم تعد تخفى على ذي عينين ، فمن كان يبطن لها المؤامرات والمكائد أصبح ينفذها على مسمع ومرأى من العالم ، بل يصرح بها ويدافع عنه على أنه حق من حقوق الدفاع عن النفس . بل أحيانا كثيرة لا يرى أنه يحتاج إلى مبررات ، في حين أصيبت الأمة بالشعور بالضعف ، وهو أخطر من الضعف نفسه . فاستغل أعداؤها ذلك فراحوا يصنعون ما شاؤا كما يشتهون ، دون خوف من أية ردة فعل متوقعة . ولذلك فإن الموقف من الحساسية بمكان ، ويحتاج علاجه أن ينهض له قادة الأمة وعلماؤها ومفكروها في خندق واحد ، بعيدا عن التفكير في الذات ،أو الانشغال بالحدث الخاص ؛ لأنه مصير أمة كخرزات العقد .

إن المطلوب في الوقت الراهن ـ من وجهة نظري ـ ما يلي :

1. سكب الطمأنينة في قلوب المسلمين ، عن طريق إيراد المبشرات ، والتذكير بعظمة هذه الأمة وخلودها ، وهو منهج الرسول r ؛ كما صنع في أشد مواقف الهجرة خوفا ؛ مع سراقة ؛ حين بشره بسواري كسرى وهو طريد ، وفي أشد اختناق الأحداث خلال حفر الخندق ؛ حين بشر الأمة بكنوز أمم الأرض في ذلك الزمن والمدينة محاصرة بالكامل .

2. تعزيز النفوس ؛ بالإشارة إلى معاني الإيمان الكبرى ؛ بالله وقضائه وقدره ، وأن   ما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه ، وأنه مأجور على كل حال ، ونحو ذلك من المعاني التي ينبغي أن يعيشها المسلم ، فلا تصل المحن إلى قلبه ، ولا تصيبه في مقتل ، فلا أضر على الإنسان من الهم والحزن ، والقلق من المجهول .

3. صدق التوكل على الله : فإن المؤمن هو الذي يَسْلَم في هذه الأزمات من الانفعالات النفسية السلبية ، والاضطرابات والإحباط ؛ لأنه لا يعرف أحدا يغلب قدرة الله ، ولا يعرف أحدا يستطيع أن يغير شيئا في هذه الأرض إلا بإذن الله . ولذلك فهو يلتجيء إليه بصدق وحب ، بدعائه الحار ، فيمسح عن صدره كل مخلفات التقهقر والخوف من المجهول ؛ ذلك لأنه يعلم أنه مهما بلغت القوى المعتدية من أسباب القوة والتسلط، فلن تستطيع أن تفعل شيئا إلا إذا قدره الله ، ولا راد لقدره . ولقد كان أبو بكر الصديق t يهمس في أذن الرسول r وهما في الغار : (( لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا ، فقال الرسول r : يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما )) .

4. التضحية : بحيث يكون كل فرد من المجتمع على أتم الاستعداد أن يبذل من نفسه وولده وماله من أجل الدفاع عن ثغرته التي يقوم عليها في بلده ومجتمعه وميدانه ، أنى كانت ؛ صغيرة كانت أم كبيرة ، عسكرية أم مدنية.

5. الوحدة : فإن أعظم سلاح للوقوف في وجه الشدائد هو توحيد الموقف ضدها ، بحيث لا يُبقي ثغرةً لمتربص ، ولا مطمعا لباغ . وأما وجهات النظر المخالفة ، وأصحاب المواقف الخاصة ـ مهما اعتقدوا صحتها ـ فعليهم أن يؤجلوا الخوض فيها إلى ما بعد الأزمة ، وإني لا أستقبح شيئا في هذه الفترة كما أستقبح من يحاول الاصطياد في الماء العكر ، فيستغل انشغال الأمة ؛ ليطرح رؤاه المريضة ، وأحلامه الشهوانية ؛ ليحاول التمهيد لوجودها في مجتمعه .

6. المشاركة في الحفاظ على الأمن : فإن الأمن ليس مسؤولية الأجهزة الأمنية في الدولة وحدها ، وإنما هو مسؤولية كل فرد  في المجتمع ، وليس هناك أعظم خدمة للعدو المتربص من فتح أبواب الشقاق والخلاف بيننا .

7. إن دوام الحال من المحال : فإن الأمة قد نزلت بها نوازل كثيرة جدا ، وعظيمة ، وانتهت ، وذهبت أيامها بكل آلامها ، ولم يخلد فيها إلا مواقف ؛ وهي إما أن تكون مواقف مشرفة ، تسجل لأصحابها بأحرف من نور ، لتكون جزءا من تاريخ الأمة وبطولاتها ، وإما أن تكون مواقف مخزية ، تبقى لعنة  في ألسنة الأجيال المتعاقبة ، ولكل إنسان أن يختار موقفه الذي يتمنى أن يذكر به .

8. نقل الناس من صور التذمر والاستسلام النفسي لغطرسة العدو التي يحاول تكريسها في نفوس المسلمين عن طريق إعلامه الموجه، إلى روح القوة ، واستشعار العزة الإسلامية { ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين }.

9. طرح العلة الكؤود ، وهي الذنوب بكل صراحة ، والتأكيد على أن كل فرد يستطيع أن يقدم شيئا لحل هذه الأزمة عن طريق توبته الخاصة، ودعوة الآخرين للتوبة ، فلا بلاء بغير ذنب ، {          } ، فلم لا نعود إلى الله وننطرح بين يديه لعل الله يرحمنا .

  1. إشعار المسلمين بمعاني الأخوة الإسلامية ، التي لن يستطيعوا الإحساس بها كإحساسهم بها في هذه اللحظات الحذرة، الواقفة على شفير الزمن الراكض إلى  ما لا يعلمه إلا الله . فمهما كانت أوجاعنا فينبغي ألا نتناسى أوجاع إخوتنا هنا وهناك ، وضعف حيلتهم ، وهم بين السيف والنطع ، والمطرقة والسندان .
  2. المسلم ليس له قوة إلا بالله ، وسلاحه أمضى سلاح ، وهو الدعاء ، والتقصير فيه تقصير في آخر خطوط الدفاع عن بيضة الإسلام ، فلنكن يدا واحدة ممدودة إلى المولى القادر على كل شيء ، من بيده النصر وحده لا شريك له ،    { وما النصر إلا من عند الله } .

دعاء ..

اللهم سلم وطني وأمتي من كل مكروه .



اترك تعليقاً