تحتفي كل أمة بجنديها المجهول ، ذلك الذي قدم مهجته رخيصة للذود عن حياض دينه وبلاده دون أن يُعرفَ من هو على سبيل التحديد ، ولعل أبرز أسباب استحقاقه لذلك التكريم : هو أنه لم ينتظر على عمله ثوابا ولا ذكرا ، فغاب اسمه في بين طيات الأعمال الكبيرة التي قدمها . وإذا كنا نختلف مع الأمم الأخرى في أسلوب التكريم ، فإننا ـ حتما ـ نتفق معها على استحقاق هذه النماذج الفريدة من المجتمع لهذا للتكريم عموما .
وبيننا جنود مجهولون ، يقفون على ثغرات عظيمة القدر وإن تجاهلها بعضنا ، إنهم أخفياء العمل الخيري ، رجال ارتضوا ـ في هذا الزمن الدولاري الرهيب ـ أن يبقوا عاكفين في محراب العمل الخيري ، يتجاوزون حواجز العصبية والأنانية بمعاني الإنسانية والرحمة والتعاطف .
أن تقدم تبرعا سخيا بنية صالحة من فضول أموالك فتلك تجارة تعقد صفقتها مع الله ، وترجو ثوابها من عنده.
أن تقوم ببناء مسجد أو مركز طبي ابتغاء وجه الله ، وإسهاما منك في بناء مجتمعك ، فتلك صدقة جارية يدوم لك أجرها ما دامت بإذن الله .
أن تكفل يتيما فقيرا أو تنفق على أسرة محتاجة أو تفك معسرا أو تفرج كربة فذلك فضل واسع خصك الله به .
أن توقف شيئا من عقارك على مؤسسة خيرية فذلك الوقف الرابح بإذن الله.
ولكن ..
أن يبذل رجال العمل الخيري ونساؤه وقتهم ـ الذي يعادل حياتهم ـ كله ، ويوحدوا همهم كله ، ويخلصوا مواهبهم كلها ، ويسخروا إمكاناتهم كلها .. من أجل أن يكون أحدهم العين الساهرة ، واليد المتابعة العاملة ، والقلب المعلق بتنفيذ كل أعمال البر تلك وغيرها دون مقابل مادي ، فذلك –في رأيي- هو العمل الذي سبق تلك الأعمال ، فالدال على الخير كفاعله ، ويزيد عليه أن كان المنفذ المتابع ، والباحث الدائم عن المستحق الذي ربما اختبأ وراء عباءة تعففه حياء من عيون مجتمعه .
إن آثار رجل العمل الخيري وآفاق نفعه ممتدة الظلال ، دانية الثمار في كل ميدان من ميادين الحياة : إنه يشارك رجل الأمن في الحفاظ على أمن البلاد والعباد ؛ حين يطارد فلول الفقر الذي يعد من أكبر أسباب الانحراف والجريمة . ويشارك رجل التعليم في مهمته حين يكفي المحتاج لقمة عيشه فلا يضطر أن يترك التعلم من أجل البحث عنها ، ويشارك الدعاة في قوافلهم ، حين ينقذ ضعاف المسلمين من أيدي المنصرين الذي يقدمون الغذاء والدواء والكساء بيد ، والإنجيل المحرف والصليب باليد الأخرى ، كما يشارك الطبيب والخطيب والمربي …
إنه حقا الجندي المجهول عند كثير من الناس ، ولكنه ـ إن شاء الله ـ من أعرف المعارف عند الله وفضلاء خلقه ، وهنيئا له ذكر الله له ، وجزيل ثوابه .
برقية ..
بيانك يأبى أن يصور ما ترى
|
|
ولحظك عن مكنون سرك أسفرا |
دموع اليتامى فوق خديك حرها
|
|
قصيدة تحنان كتمت فعبرا |
وللمعوزين الصابرين لواعج
|
|
فؤادك منها كاد أن يتفطرا |
سهرت ونام المترفون وحولهم
|
|
جراح من الحرمان تنزف أنهرا |
فلا تعتبن إذ بحت ما قد كتمته
|
|
فقلبي في أعماق قلبك أبحرا
|
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.