الأحساء .. وعشق الثقافة

مهاتفة حجازية الجنان والمكان .. أيقظت عروقا بردت في أوداجي ، ألهبت جمرات كادت أن تترمد بين ضلوعي ، أحسست أنني في حاجة إلى أن أعتدل في جلستي ليتناسب مستوى التلقي مع مستوى الحديث ولم لا ؟

وهي تغري فيَّ نبضات الحب المعتق !!

وهي يشبع نهمي المجوَّع !!

وهي تقدم شهادة التفوق في الثقافة في عام الثقافة لبلد الثقافة دون استجداء !!

هو ـ الأحساء يا صاحبي تقف بجدارة في مقدمة مدننا في احتضان الثقافة .

ـ شهادة نعتز بها من صحفي متابع مثلك للحركة الثقافية في بلادنا .

هو ـ لا تظن أنني أبالغ أو أجامل ، فأنا من خلال متابعتي لم أجد هذا القدر من الفعاليات في زمن متقارب كما هو في الأحساء ، أو في جيزان أيضا .

ـ لقد ألفنا هذا الذي تبدي عجبك منه .. وإن مؤسسات الثقافة عندنا تتنافس في إقامة هذه الفعاليات ، حتى لتبلغ أكثر من اثنتين أحيانا في أسبوع واحد ،  لا تخلو واحدة منها على الأقل من مشاركات خارجية ، جاءت بشوق إلى محضن العلم والأدب ، حتى إنها لا تستطيع أن تخفي ذلك بين حناياها ، فإذا به يتدفق شعرا كأنه الدر ، أو نثرا كأنه الشعر ، وإن الأحساء لتفخر بهذه الشهادات الممهورة بأكباد عشاقها ، وها هي ذي جداول مائها وجدائل نخيلها تتلو هذا الديوان الرقراق ليل نهار.

هو ـ وأشد ما يدهشني هذا الحضور المثقف المكثف عندكم في كل أمسية ومنشط، إنك لتسمع بأمسيات تشارك فيها أسماء لامعة أقيمت في عدد من المدن الكبرى ، وفي صالات فندقية فخمة ، فإذا سألت عن حضورها فسوف تصدم بأنها    لم تحظ بحضور يذكر ، بل وصل الأمر إلى أن الحضور قد لا يتجاوز أكثر من فردين !! فيلغى اللقاء كله !! هل تصدق ؟!

ـ يا عزيزي إذا حضر في الأحساء أقل من مئة وخمسين في منشط ثقافي عام فلابد أن يعيد المنظمون النظر في استعداداتهم ، أو اختيار الزمن الذي أقيمت فيه الأمسية ، أتعلم أن ظاهرة اضمحلال الجمهور المثقف في الأندية الأدبية في عدد من مناطق المملكة لا تجد لها مكانا في الفعاليات التي يقيمها النادي الأدبي في المنطقة الشرقية كلها ، وأن أحدية الشيخ أحمد بن علي المبارك وهي تقام في منزله العامر دون ضجيج إعلامي تحظى بجمهور أسبوعي لا يقل عن خمسين شخصية من شخصيات العلم والأدب والتاريخ والثقافة العامة ، وقد يتضاعف في بعض البرامج المتميزة .

هو ـ أخي .. هذا عشق للثقافة ، يجعل صاحبه يضحي بكل شئ من أجل أن يحظى بحضور يسمو على المادية والعبث ، وما يتربى عليه حتى أولادنا اليوم ، فإننا حين نهدي لأحدهم شيئا ، فلا يخطر على بالنا سوى ألعاب الكمبيوتر ودمى الدببة ،      ولا يكاد يخطر ببالنا أن نهديه كتابا أوقصة ، فكيف ستكون صلة الجيل الجديد بالثقافة؟ لست أدري !!

ـ أما أنا فإنني أتوقع أن تتسارع عجلة الثقافة والعلم والأدب في الأحساء حتى تبلغ شأوا منيعا ، ولا غرابة ، فجذور حضارتها لا تزال تمدها بنسغ الحياة وإكسيرها ؛ حتى تتفرع دوحة .. وواحة .. وجنة .. بل جنات .



اترك تعليقاً