الأكثر مبيعا في العالم !

انتشرت في الآونة الأخيرة كتب كثيرة ومنوعة تعنى بالجانب التدريبي والتطويري للقدرات الذاتية في شتى المجالات ، وكثيرا ما تروج بعبارة         ( الأكثر مبيعا في العالم ) ، وأظن أن هذه العبارة تصدق على كثير من هذه الكتب ، وأكثرها مترجم عن الإنجليزية ، وغالبها يبدأ بـ( كيف تكون ..؟)، أو بأفعال الأمر التحفيزية ، أو بكلمات إبداعية مثل ( فن ) ، و( مهارة ) ، و( الإبداع ) و( التميز ) .

والواقع ـ وبعد قراءات مستفيضة في مجموعة من هذه الكتب ـ وجدت أنها تنتقى بعناية ، وأن معظمها يقدم للقاريء مادة دسمة جادة ، ويفاجأ فيها بكثير جدا من المعلومات التي قد تتصادم مع مسلماته المعلوماتية ؛ فيجد نفسه ـ بعد تأمل ـ يحتاج إلى تجديدها ، وتبنى على تجارب ودراسات دقيقة ، فيجد نفسه تميل إلى احترامها والأخذ بها ، ومما لاحظته فيها تميزها عما يكتب في الشأن من قبل مؤلفين عرب بما يلي :

أولا : الدقة في طرح المعلومة ، فالكاتب ـ غالبا ـ يوثق معلوماته ، ويكشفها كشفا يوحي لك بثقته في نفسه ، ومع ذلك فقد تجده في كتاب أحدث له يعلن لك أنه تراجع عن رأيه السابق ؛ لأنه أحدث تجارب جديدة .

ثانيا : المسحة الدينية : فبينما يستحي بعض الكتاب العرب           من الاستدلال بالكتاب والسنة في كتاباتهم ، ويتشدقون بالاستشهاد ـ بداع وغير داع ـ بالكتابات الغربية ، فإنك تجد الأثر الكبير للإنجيل والانطباعات الدينية في بعض كتابات القوم ، بل وينادون بالأخذ بالقيم الدينية في كثير مما يطرحون ، على أنهم يعيشون عصر العلمانية في بلادهم . ولا يفهم من كلامي أنني ضد الاستشهاد بكتاباتهم ، فالمقالة كلها تصب في التشجيع  على قراءة كتبهم النافعة حتى نستفيد من تجاربهم في كل شؤون حياتنا ، حتى في قدراتنا الخطابية الدينية .

ثالثا : التجارب طويلة الأمد : فقد وجد أن عددا من التجارب      التي يجرونها تستمر تسع سنوات أو خمس عشرة سنة ، أو أكثر أو أقل بقليل ، ولك أن تتصور صبر الباحث على تتبع مئة شخص  أو يزيدون منذ طفولتهم حتى يشبوا ويتوظفوا ويتزوجوا ، أين ذهبوا ، وأين توظفوا ، وما معاملاتهم مع أصدقائهم وزوجاتهم وأولادهم بعد أن كبروا ؛ ليخرج ببحث ربما لم يتعد ثلاثين صفحة ؟!!

رابعا : الصبر على الكتابة : فإن الكتاب الذي تقرؤه في يومين        أو ثلاثة ، بقي فيه الكاتب سنوات متعاقبة ، وكل صفحة فيه تمثل تراكمات من العمل المضني والتفكير العميق والتجارب الطويلة الأمد .

خامسا : التمارين : فالكتاب ليس تنظيرا سطحيا ، وإقناعا ذهنيا فحسب ، وإنما هو مدرب يضع لك تمارين بخطوات متأنية ، تحول الكتاب الصامت إلى دورة تدريبية حية .

سادسا : التركيز على النواحي الإجرائية العملية بدلا من الغوص     في التنظير الممل ، وهو في الواقع ميزة هذه الكتب الحركية ، فأنت تجد نفسك أمام حلول عملية تقوم بتطبيقها في الحياة ، فتجد آثارها مباشرة .

سابعا : الصور التوضيحية والرسومات البيانية ، التي تطبع المعلومة    في ذهنك ، فيطول أمد بقائها فيه ، وقد ذكر أحد مستشاري ( آي بي إم )  أن الأفراد يحصلون 75% من المعلومات عن طريق الرؤية ، و13% عن طريق السمع ، و12% عن طريق اللمس والتذوق والشم ، وأن الصورة لها تأثير أكبر من الكلمات بمفردها بمقدار ثلاثة أضعاف ، وأن الكلمة والصورة معا لها تأثير أكبر من الكلمات بمفردها بمقدار ستة أضعاف . وقد روي عن الحكيم الصيني كونفوشيوس ( 451 ق.م ) قوله : (( إنني أنسى ما أسمعه ، وأتذكر ما أراه ، ولكن أنفذ ما أفهمه )) .

ثامنا : السلاسة : بحيث لا تصعب على غير المختص في الفن نفسه .

كل ذلك ليس لأبث لهذه الكتب دعاية عبر هذه الزاوية ، فليس لي فيها ناقة ولا جمل ، ولكن لأنني وجدت فيها ما نفعني ، فأحببت أن ينتفع بها غيري ..



اترك تعليقاً