تقاس الحياة الثقافية لكل وطن بمقدار النتاج العلمي والإبداعي المتميز الذي تقدمه أقلام مفكريه ومبدعيه ، والكاتب ـ أيا كان سبيله ـ يحتاج إلى من يدعم وجوده بالبحث عنه ، بسؤاله ، بتقديره المعنوي والمادي الذي يرمز إلى قدره المعنوي ، بتكريس تواجده في هذا العصر بشتى الصور ، ولا يحرك ركود الثقافة مثل الفعاليات النشطة التي تبعث الحياة في الأقلام المنزوية ، وتحث المبطيء على الإنجاز السريع ، وتضع المبدع على محك الإبهار ؛ لأنه مطلوب منه أن يقدم الأفضل والأقوى الذي يرضاه أن يمثله أمام الآخرين .
ولجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سبق لا يخفى في هذا المجال ، ففي الأسبوع الماضي أقامت ندوة في الأحساء حول التعليم في المنطقة الشرقية شارك فيه عدد من رجال التعليم في الأحساء ، وندوة أخرى علمية عالمية في الرياض تتضمن مجموعة من البحوث العلمية المحكمة وأوراق العمل والندوات والمحاضرات وحلقات النقاش وتهدف إلى إبراز الجهود الإسلامية الكبيرة التي أنجزتها الدولة خلال العقدين الماضيين . وقد دعي لإحياء هذه الندوة مجموعة من أبرز رجالات الفكر والعلماء والدعاة من داخل المملكة وخارجها، ولا شك أن في التقاء هذه القمم ثمرات ضخمة تعود عليهم شخصيا بتنمية العلاقات الودية والعلمية ، وعلى مساراتهم الفكرية ، بحكم ناموس التأثر والتأثير ، والامتزاج الذهني ، والتلاقح الفكري ، مما يؤدي إلى نفع عموم الأمة ، بل وإعطاء صورة قريبة وصادقة عما وصلت إليه المسيرة العلمية الخيرة في بلاد الحرمين الشريفين .
إن جامعة الإمام حين تلامس هذه القضية ، وتطرق أبواب هذا الجانب ، فإنما هي تشير إلى أبرز ما يميز هذه البلاد عن غيرها ، وهو ارتباط تأسيسها ودستور حياتها بدين الأمة ودستورها وهما الإسلام والوحيان ؛ القرآن والسنة ، وارتباط سياستها الخارجية بمصلحة المسلمين في الأرض ومناصرة قضاياهم ، ورعاية كل مسلم في الأرض، وبقضيته، والوقوف معه في الأزمات مهما كانت صعبة .
أما السياسة الداخلية ، والاستراتيجيات الإعلامية والتعليمية ونظام الحكم ونظام الشورى ونظام المناطق فهي منطلقة انطلاقات شرعية واضحة البيان في أسس نظام الحكم، وتصب اهتمامات جميع الوزارات في هذا الإطار ، فضلا عن وزارات مختصة مثل وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد ، ووزارة الحج ، ووزارة العدل ، ورئاسة شؤون المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ، ورئاسة هيئات الأمر بالمعروف والنهي المنكر التي تؤكد هوية الأمة ، وانتماء هذا الوطن الأصيل لهذا الدين .
ومن منن الله على هذه الديار أن جعلها تشرف برعاية الحرمين الشريفين ، وخدمتهما وعمارتهما ، وخدمة الحجاج والمعتمرين طوال العام ، وإقامة المساجد في مدن المملكة وخارجها في جميع أصقاع المعمورة ، وأن تستقبل طلبة العلم من جميع أنحاء العالم الإسلامي في جامعاتها الإسلامية العملاقة ؛ مثل جامعة الإمام ، والجامعة الإسلامية ، وجامعة أم القرى ، والتي أنتجت عددا كبيرا من الوزراء والقادة والدعاة والمصلحين والأئمة كما رأيناهم في أصقاع الأرض ينهضون بواجبهم ، بعد أن تلقوا علومهم وتربيتهم في محضن الدعوة الأول . وهو ما أتمنى أن يستمر ، بل أن يزيد فهو جزء مما حقق للملكة العربية السعودية هذه المكانة العظمى في نفوس المسلمين في الأرض .
وإن المراقب المنصف ليلحظ كذلك ـ خلال هذه الفترة المورقة ـ تشجيع الدولة على إقامة الجمعيات الخيرية سواء المحلية كالعناية بتحفيظ القرآن الكريم ، وطباعته في أكبر مجمع عالمي ، وجمعيات البر ، والجمعيات ذات الاهتمام الخارجي من ناحيتين ؛ إغاثية ودعوية ، حتى بلغت درجة عالمية تضاهي كبرى الهيئات في العالم ، وتتفوق عليها . كما لا تنسى المملكة دورها الرائع في تبني ودعم المشروعات الإسلامية الموثوقة في الخارج ، والقيام بمشروعات الصلح بين الدول أو الفئات المتحاربة ما دامت من طرفين مسلمين ، وتطوير أداء المؤسسات الإسلامية الكبرى ؛ كرابطة العالم الإسلامي ، ومنظمة المؤتمر الإسلامي والبنك الإسلامي للتنمية وغيرها . تلك بعض محاور البحوث التي قدمت في هذه الندوة .. والتي نرجو أن تجمع في كتب توثقها وتخلدها .
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.