إلى الجحيم .. يا ..

كنت متخوفا جدا من تلك التقليعة الجديدة منذ هطولها أول مرة من فضائنا الموبوء بمئات المحطات المريضة ، ولم أستطع أن أخبئ تخوفي عمن حولي .. فتحدثت بصراحة متحملا ألم ردات الفعل الجاهزة ، التي تنسب إلى كل مستكنه للحقائق المتوارية عن الأنظار الغافلة تهمة التشاؤم والتسرع في الحكم على الأشياء ، ولكني لم أتقدم بالخطوة التالية والتي تعني عندي أن أحول هذا التوجس إلى عمل إعلامي حتى أمتلك الأدلة الكافية على صدق توجسي .

أفلام الكرتون قنابل متفجرة كل يوم في شاشاتنا الصغيرة دون وعي منا      أو متابعة ، فهي لا تزال بريئة في أعيننا ، مجرد تسلية ، ومن عادتنا ألا نتنبه لأمر حتى يبلغ ذروته ، وقد أشرت إلى خطورتها أكثر من مرة ، ولكن هذه المرة تختلف عن كل المرات ، إن الأمر بلغ مداه بما يسمى بالبيكمون ، حينما تحولت هذه الحلقات اليومية إلى طعنات متوالية في جسد نائم ، فراحت تفتك بثقافة أبنائنا وعقائدهم ، وتسطو على أعصابهم وسلوكياتهم ، وتمتص أموال الأولياء وربما اهتمامهم ، وتوطئ الأكناف لقبول كل ما تتضمنه دون نقاش .. شعارات صهيونية وصليبية .. عبارات إجرامية وإلحادية .. تمكين لنظرية دارون النشوء والتطور المهترئة في قلوب الأطفال .. استبدال لكل الشخصيات العظيمة في نفوسهم وطرح شخصيات وهمية تحتل فيها مكانة بلغت من الحب والهيام درجة خيالية .

سألني أحد الأطفال : أليس آش أو بيكاتسشو ولدا لله ( تعالى الله علوا كبيرا ) فقلت له : لا .. ولماذا تقول ذلك ؟ فأجاب : إن الله ينزل المطر وهو ينزل المطر !!

وقدم لي أحد الأساتذة رسالة كتبتها طفلة في السنة الثالثة الابتدائية لطفل في الخامسة الابتدائية أيضا ، امتلأت بالمغازلات العاطفية،وتناثرت فيها القلوب الجريحة، تدعو فيها هذا الطالب أن يتواصل معها عبر الهاتف الذي سجلته في أسفل الصفحة، وتلتمس منه بكل رقة أن يتفضل ببعض كروت البيكومونات.

ويذكر لي أحد رجال الحسبة أنه تلقى اتصالا هاتفيا من رجل يدعوه لزيارة المنزل لتقديم النصح للخادمة في قضية مهمة للغاية ، وحينما زاره قال له : إن خادمتنا علمت الطفل الصلاة لبيكاتشو ، يقول : فهالني الأمر فلم أصدق ، فأراد الأب أن يبرهن له فنادى ولده وأمره أمام صاحبنا أن يصلي ، فانتفض الطفل وهب مسرعا إلى داخل المنزل ، وأحضر دمية لبيكاتشو وجلس بين يديها ورفع يديه كما يصنع المصلي ثم سجد !!

واستوقفني عدد من الآباء يشكون من انتقال العنف الذي يشاهده الأطفال وهم يتابعون هذا المسلسل النكد إلى داخل المنزل ، ويصفون شراهة الأطفال في شراء السلع المحتوية على صور هذا المسلسل ، والتي تحتوي بطاقات كتبت عليها عبارات ( قوة خارقة ) ( قوة الماء ) ( قوة الريح ) ( قوة النار ) ونحو ذلك ، وهم يرمون المواد الغذائية ويأخذون البطاقات . إلى جانب الاعتقاد بعلاقة هذه الرسومات بالأفعال الناتجة عنها في المسلسل ، ولعمر الحق ما أقربها من أسماء آلهة اليونان القديمة ، والتي وضعت لكل قوة في الكون إلها معبودا من دون الله !!

وانتشرت بين الأطفال لعبة القمار بهذه البطاقات باسمها الصريح ، وهي أبعد ما تكون عن شرعنا وبيئتنا .

لقد بلغت هذه المسلسلة الموجهة أوجها ومجدها في فترة قصيرة ؛ حتى طبقت أنحاء العالم ، واستعدت الشركة اليابانية المنتجة لها أن تدفع بالمزيد في العام الجاري ، ولكن ما الذي حدث ؟

إن البيئة التي رفضت من قبل ألوانا من الأفكار المنحرفة ، والمذاهب المضلة ، والتقليعات الفاسدة ، بدأت تتململ وهي تشاهد الآثار الخطيرة لهذه المسلسلة ، فاسنهضت همم العلماء والدعاة فأصدروا تحذيراتهم وفتاواهم ، فإذا بالمجتمع يقول في صوت واحد : سمعنا وأطعنا ، وفي أيام قليلة تراجعت مبيعات السلع التي المرتبطة بصور البيكومونات ثمانين في المائة ، والعشرون إلى انتهاء بإذن الله ، بعد أن قامت وزارة التجارة بمطاردتها في الأسواق ومنعت دخولها ، وأخرج الأطفال كل المحتويات التي جمعوها وكسروها وأحرقوها ، بل وقاطعوا السلع التي التصقت بها تلك الصور، وراحوا ينشرون الفتوى الصادرة من مشايخنا بأيديهم ، حتى قال أحد الأطفال : سوف أشتري كل الألعاب الخاصة بالبيكمون من السوق ، فعجب منه أحد زملائه فأجابه : لأني أريد أن أحرقها جميعا .. وهو ما صنعه أطفال الكويت حينما اجتمعوا في صعيد واحد وأحرقوا كل ما لديهم إعلانا لانتهاء عهد هذه الخرافة .

إن هذه الاستجابة تشير بوضوح إلى عمق الإيمان في مجتمعنا المسلم ، وأنه مهما نجح الأعداء في التخطيط لإبعاده عن شخصيته المتميزة فلن يفلحوا أبدا .. إنها طعنة نجلاء في قلوب المبتزين ، الذين يلهثون وراء الدرهم والدينار ولو على حساب مستقبل أمتهم وأبناء جلدتهم .

وإلى مزيد من الانتصارات في وجه العولمة والتغريب والتجهيل



اترك تعليقاً