أهلا .. ياعيد .. وحزنا

ها قد أطل العيد .. وفي بسمته شحوب ، وفي بياضه كدرة ، وعلى لسانه لثغة .. لم يشف منها منذ سنوات طويلة ..

عيد الفطر المبارك .. تؤذن ليلته بفجر يطوي فجرا ، وبفرحة تغرس ترحا .. فأي مسلم يفرح برحيل شهر الصوم ، وقد وجدت فيه نفسه مشتل أشواقها ، ومسرح آمالها ، ونور بصيرتها ؟

إنه الضيف الذي يحل بالزغاريد ، ويرحل بالدموع ، فلله كيف واسى عباده بأن جعل أول يوم بعده عيدا ، يشرع فيه الفرح ، وإظهار النعمة ، والحمد والشكر والتكبير على إتمام العدة ، وبلوغ المراد .. والإلحاح على الابتهال في طلب القبول من رب العباد .

العيد حياة جديدة تجدد لنا أثواب الوجود المنظور ، فتحيي فيه أسمى معاني الحب والإخاء والألفة ، تذكرنا برحم مقطوعة فنصلها ، وبصديق مهجور فنجدد به صلتنا ، وبمشاحنة قديمة تسببت في قطيعة فتكون فرصة تناسيها أو علاجها. وتنشر الابتسامات الصافية على الشفاه ، فتنتزع الأحقاد ، وتشفى النفوس ، وتريح القلوب .

العيد شعيرة عظيمة ، يمتثل لها جميع أفراد المجتمع المسلم بلا استثناء . فليس هو فرحا بعرس خاص بأسرة أو بقوم ، وليس هو سرورا بنجاح أفراد ، إنه فرح مشترك بين جميع أفراد المجتمع ، وهنا تكمن قيمته الاجتماعية ، فإنك تهنئ الجميع بلا اختيار      أو انتقاء ، وتدعو للجميع بكل حرارة وإخلاص ربما دون أن تعرف صاحبك. وهذا  ما يعمق الأخوة الإيمانية بين المسلمين ، ويشعرهم باشتراكهم في مشاعر واحدة .

العيد يوم الزينة التي لا يراد منها سوى إظهار نعمة الله تعالى عبده، لكن دون خيلاء ولا مباهاة ولا استعلاء على الخلق .

العيد يوم الفرح والسرور ، والتوسعة على العيال في المأكل والمشرب، واللهو المباح، ولكن دون أن يتجاوز ذلك إلى الإسراف واللهو المحرم .

العيد يوم التفسح والتنزه ، والخروج من الدائرة الخاصة إلى دوائر أوسع ، ولكن دون سفور وتحلل واختلاط محظور .

العيد فرحة بانتصار الإرادة الخيرة على الأهواء والشهوات والشياطين ، والرضا بطاعة المولى عز وجل ، وانتظار الوعد الكريم بالفوز بالجنة والنجاة من النار . ولكن دون أن تنسي هذه الفرحة بالنصر في تلك الجولة أن صراع النفس المؤمنة مع أعدائها الثلاثة سيظل مستمرا في جولات لا تكف حتى يموت الإنسان .

العيد فرحة لا يستحقها إلا من أطاع الله ، ذلك الذي يطوي بين ضلوعه نوايا الخير لنفسه ولمجتمعه ولوطنه ولأمته .

العيد عند المسلمين ليس عادة اجتماعية ، تخضع للمفاهيم العصرية المتجددة ، بل هو عبادة يجب ألا ننحرف بها إلى آفات العصر ومهاتراته مهما كان وجهها الذي تظهر به.

وإن نسينا في عيدنا فلن ننسى أبدا إخوانا لنا في العقيدة في أرض الإسراء  وغيرها من بلاد المسلمين يقضونه في محنة وخوف ، تضطرم في حشاشات قلوبهم الآهات ، وتصبحهم الصواريخ وتمسيهم الطلقات ، كل يوم يحمل شهداؤهم على الأكتاف ، قد هدمت بيوتهم ، وقتل أطفالهم ، وديست كرامتهم ، وانتزعت الطمأنينة من قلوبهم ، تجبر عدوهم وتغطرس ، فلا نملك إلا أن ندعو الله لهم أن يكون هذا العيد مطلع رحمة عليهم بعد عذاب ، وفرجا بعد شدة ، لتعود المقدسات إلى أهلها ، وينعمون بما ننعم به من خير ونعمة .

بطاقة معايدة ..

بارك الله لكم عيدكم ، وتقبل صيامكم وفضائل أعمالكم ، وكل عام وأنتم بخير.



اترك تعليقاً