بعد رحلة العسل

بعد أن عاد كل عروسين من رحلة العسل .. أحببت أن أهديهما وردة .. اقتطفتها لهما من رياض الحب فجاءت فواحة بأريجه ، فليتفضلا بقبولها مني هدية متواضعة بين يدي سعادتهما الأبدية إن شاء الله .

إن السعادة التي يرجوها العروسان من زواجهما سوف تكون محدودة جدا   لو أنهما بنوها على سعادة الجسد ، ولم ينظروا فيها إلا إلى الحياة الدنيا .

وبمراجعة سريعة لأهداف مشروع الزواج الكبير نجد أن من أجل أهدافه قصر نظر كل من الزوجين على الآخر ؛ لتطمئن النفس ، وترتاح من التلهف والركض خلف صورة كل وسيم وحسناء ، حيث لا سبيل إلى إطفاء نار الشوق المشبوه في الدنيا إلا في إطار الرذيلة ، والهدف الآخر هو تحصين الفرج عن الوقوع في أي سبيل غير الزواج الشرعي مهما كانت صورته ، ومن الأهداف أيضا : إنجاب الذرية ، وتكوين الأسرة ، وهو هدف مرهون بالرزق الذي قسم للإنسان ليس لأحد فيه فضل يعود إلى ذاته إلا لله تعالى فهو : { يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور        أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير } .

وهل هناك هدف آخر من الزواج ، نعم هو ما أشار إليه المولى تبارك وتعالى في قوله :  { ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون } .

هذا الهدف السامي إذا قرنته بالأهداف السابقة وجدت أنه أكثر الأهداف مصاحبة لك، وأقربها إلى قلبك وعقلك ، وأهمها في حياتك ، فلن يكون هناك غض للبصر ، ولا تحصين للفرج ، ولا أولاد صالحو النفسيات ما لم يتحقق هذا الهدف ، وهو السكن النفسي ، والاستقرار الشعوري ، حين تمتزج الروحان ، ويتقارب المزاجان ، وتتوحد الأهداف والغايات ، ويحن الزوج على زوجه ، وتتحقق الراحة والطمأنينة بأسمى معانيها ، فكل من الزوجين يجد في صاحبه الهدوء عند القلق ، والأمن عند الخوف ، والبشاشة عند الضيق ، والأنس عند الوحشة ، والألفة بعد الفرقة ، إنها علاقة لا مثيل لها بين إنسانين ، علاقة عميقة الجذور بعيدة الآماد ، أشبه ما تكون بصلة المرء بنفسه كما بينها كتاب الله تعالى بقوله : { هن لباس لكم وأنتم لباس لهن } .

هذا الهدف بكل أسمائه وسماته هو ما يبحث الإنسان عنه ويسميه السعادة ، ونخصه هنا بالسعادة الزوجية ، وإنما يتحقق بالمعاملة الطيبة الحسنة بين الزوجين ، فإنها تقويض لكل ما يبنيه الشيطان بينهما من عداوة وبغضاء ، فقد جاء في حديث لرسولنا صلى الله عليه وسلم : (( إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة ، يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته ، قال: فيدنيه منه ويقول : نِعْمَ أنت )) . ولا شك أن التفريق بين الزوجين هدم للمجتمع من أساسه ، وهو من أهم أهداف الشيطان الرجيم .

والكلمة الطيبة صدقة فكيف بين الزوجين ، بل عليهما أن ينتقيا أجمل الكلام وأعذبه وأرقه ليبعدا عنهما تسلط الشيطان ، يقول الله تعالى { وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم } . والكلمة الجميلة : تشرح الصدر ، وتزيد السعادة بين الزوجين ، وتحقق السكن المرجو من الزواج ، وتقوي أواصر المودة ، ووشائج الرحمة والمحبة والعشرة بينهما .

وإذا كان المسلم مطالبا بأن يخبر أخاه المسلم الذي يحبه بمحبته له ، فكيف بالزوجين، إنه أسلوب في غاية الروعة أن يتنادى الزوجان بعبارات الحب والغرام ، التي تشف عن حقيقة ما في القلبين تجاه بعضهما من معاني الألفة والرغبة في الطرف الآخر .

بصمة

أيها العروسان .. إذا انطفأت شعلة الجسد يوما ما فإن جنة الروح تظل تنضح بالخضرة والصفاء والعطاء ما دامت العشرة بينكما مبنية على الإيمان والمودة والتعاطف.



اترك تعليقاً