منذ أن بدأت عاصفة البث المباشر تقتلع أعمدة الاستقبال القديمة من فوق أسطح المنازل ، وتقتلع معها كثيرا من الأمن النفسي والاجتماعي ، وتَرْكُزُ محلها أطباق الاستقبال العالمي المفتوح ، والمجتمعات الإسلامية تعيش فوضى الثقافة ، وعشوائية التلقي ، وتتعرض لكثير من أوجه التغيير السريع في المفاهيم والرؤى ، وفقه الأوليات ، لا سيما في فئة الشباب ؛ فتيانا وفتيات ، وهي السن التي تشتعل فيه طموحات وغرائز وتطلعات ، إلى كل جديد .. دون حدود !!
لقد رأى عدد من أرباب الإعلام الغيورين على مصلحة أوطانهم وأمتهم أن الاستمرار في حملات التحذير من الفضائيات النازفة بالرذيلة وحده ـ مع أهمية ذلك الاستمرار ـ لن يبني سدا ، ولن يوقف زحفا ، وأن الحل الأكثر فاعلية وقيمة هو إنشاء قنوات إسلامية الشكل والمضمون ، تخاطب جميع شرائح المجتمع دون استثناء ، كل فيما يخصه أو يهمه ، وباللغة التي يفهمها ، وتتوجه إلى عقول الناس وقلوبهم ، لا إلى غرائزهم، تحترم شخصياتهم فتقدم لهم ما ينهض بهم دنيا وأخرى ، والقنوات الموجودة حاليا أثبتت أن البرامج الناجحة فيها هي البرامج الجادة ، التي تتعامل مع إنسانية الإنسان وثقافته وحريته الشخصية ، وحضاريته ، لا مع ما يتعامل ما دنا من عواطفه .
إن في رحم المستقبل القريب ـ إن شاء الله ـ عنقودا أخضر ، من القنوات ذات الطابع الإسلامي النقي ، ولكنها ـ حتما ـ ستواجه صعوبات بالغة ، وتحديات تفوق الوصف ؛ لأسباب كثيرة لعل أبرزها هو أن غالب ما ينتج عالميا لا يصلح أن يكون مادة جاهزة للعرض فيها ؛ لأنه لا يتوافق مع منهجها ، وهذا ما يجعل العبء ثقيلا عليها ، فهي ستتحمل تكاليف إنتاج كثير من المواد ذات التكاليف الباهضة ، وستحاول أن تعوض ما لا ترغبه من الأصوات ببدائل صوتية بشرية ، أو إليكترونية ، وستسعى إلى دبلجة كثير من الأفلام والمسلسلات والبرامج لتصفيتها مما يخالطها من صور وأصوات لا تتناسب مع منهجيتها ، با ختصار ستتحمل نتيجة تجربة غضة الإهاب ، طرية العظم ، ولكن الدرب ـ مهما كان طويلا ـ لن يقطع بالوقوف والتفرج على مداه ، ولكن باقتحامه ، والصبر على قسوة شوكه ، ولظى هجيره ..
ولكن النجاح هو ما نتفاءل به لهذه القنوات الطموحة ، ومن أبرز عوامل نجاحها كون جزء كبير من الشريحة التي تستقبلها في المجتمع لا تقبل أن تستقبل غيرها ، وهو ما يجعلها هدفا في غاية الأهمية للمعلنين ، الذين يفتقدون الطريق إلى عيون هؤلاء وجيوبهم ، وهذا مورد ثري لتلك القنوات في بداياتها .
والعامل الثاني : هو صفاؤها من كل ما قد يكدر على الأسرة المسلمة برنامج تربيتها لأولادها وتنشئتهم على الصلاح والاستقامة ، حيث يأمن الأولياء عليهم ـ حال غيابهم أو حضورهم ـ من كل مخالفات شرعية يمكن أن توقع الأولاد في التمزق التربوي والذهني ، وهو ما يعانيه جيل الفضائيات الرديئة ، حيث يقع صراع عنيف بين ما يسمعونه من الآباء ، والجامع ، والمدرسة من جهة ، وبين ما يرونه على شاشات التلفاز من خلال هذه الفضائيات . وهذا ما يجعل العبء ثقيلا على القائمين على تلك الفضائيات ؛ حيث إنهم ـ بمنهجهم المعلن ـ ملزمون بتحمل أمانة المصداقية في التنفيذ ، وهو ما نتوقعه من مثلهم .
والعامل الثالث : أن هذه الفضائيات تمثل تحقيقا لحلم الكثيرين ، ممن يعلمون أنه لا غنى ـ في الوقت الحاضر ـ عن الوسيط المرئي في التعامل الثقافي ، والوسيلة التربوية ، والتلفاز هو أوسع الوسائط الثقافية انتشارا وتأثيرا على الإطلاق . فتكون هذه القنوات ـ بالنسبة لهم ـ فتح لآفاق رحبة من التواصل التربوي بين المختصين وأفراد أسرهم .
والعامل الرابع : أن هناك طاقات إسلامية التوجه متميزة في الجانب الإعلامي ، لم تتح لها فرصة المشاركة في أكثر القنوات المتوافرة حاليا ، أو هي لا ترغب ذلك ؛ لوجود ما يخالف تصورها ورؤيتها الخاصة للوسيلة الإعلامية ، ومن المتوقع أن تنطلق مع هذه القنوات الجديدة ، ولا شك أن الإبداع إذا انطلق بعد كبت ، فإنه يكون أكثر إثارة وحيوية وقبولا عند المشاهدين ، فهو يمثل منجما جديدا من الأفكار لم يستهلك من قبل..
وإن غدا لناظره قريب .. والله من وراء القصد ..
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.