ثقافة أطفالنا إلى أين ؟؟

طفل يقفز على برعم نبتة كبيرة ، فتعلو به بسرعة خاطفة ؛ حتى تخترق به السحاب ، وهناك يشاهد رجلا مسنا يصب الماء على السحاب فينزل المطر !!

شاب كسول جدا يتضايق من كل من يكلفه بأي شيء ، وفجأة يحصل على     ( مكنسة سحرية ) تعرض عليه أن تحقق له كل ما يريد دون أي جهد منه ، فتصنع له العجائب : قصرا كبيرا ، ملابس فاخرة ، زوجة جميلة ، أموالا طائلة فيفوق أقرانه !!

طفلة وطفل يعقدان ( صداقة بريئة ) ، وفي كل لقاء عناق حار ، وقبلات ، وقلوب وردية تنبع من بينهما في مشاهد غرامية مثيرة

كثيرة مثل هذه المشاهد التي تعرض على أطفالنا من خلال الشاشة الصغيرة التي نلتقطها من مائة قناة وقناة على مدار الساعة ، مستغلة جاذبية أفلام الكرتون التي تستهوي أحباءنا الصغار ، بل وحتى الكبار ، ومن خلالها بث الغرب إليهم كثيرا من أعرافه وثقافته الخاصة ، الغريبة عن مجتمعنا الإسلامي النقي ، فشوقتهم إلى رؤية السحرة والمشعوذين وألاعيبهم ، وكسرت الحاجز النفسي الذي وضعه الإسلام بيننا وبين الحيوانات المحرم أكلها كالخنازير ، أو المحرم اقتناؤها في المنزل كالكلاب ، وجعلت منها أبطال الأفلام المحببين للمشاهد ، وأصبح الصليب والسفور والاختلاط والعنف والعدوانية مناظر طبيعية أمام الطفل ، حتى وصل الأمر إلى بث مفاهيم عقدية مخالفة لعقيدتنا .

غالب الأفلام الكرتونية المعروضة على أطفال المسلمين اليوم لا تمثل بيئاتهم ، وإن أنطقت بلسانهم ، يشترك في ذلك الشخصيات الكرتونية العالمية مثل ( باباي ) الذي يجعل صراعه مع منافسه على الاستئثار بفتاة جميلة ، والقصص العالمية المدبلجة ، التي تبتعد كل البعد عن قيمنا وأصالتنا وأعرافنا ، في خيال لا يمكن أن يبني نفسية الطفل بل  يوقعها في بلبلة وشتات ، ويحطم كل مقاييسها الواقعية ، كل ذلك بحجة توسعة خيال الطفل .. فماذا جنى أطفالنا ؟

إن المسؤولية منوطة بالأمة الإسلامية بأسرها من خلال مؤسساتها التعليمية والثقافية ، أن تنهض بهذا الدور ، وتقيم مراكز مختصة بإصدار المواد الإعلامية لتثقيف الطفل ثقافة نقية ، لمواجهة هذا السيل من الثقافة الموبوءة والذي وصل إلى سمع الطفل وعينه ، بل ويده : ليشمل نشاطها : القصص المصور ، وأشرطة الحاسب الآلي والفيديو والكاسيت الموجهة تربويا ؛ لترسيخ الوازع الديني في نفوسهم ، وتقويم سلوكهم . وأفلام الرسوم المتحركة التي تنهل من أمجاد تاريخنا الماضية والحاضرة ، وقصصنا الشعبي وفق الضوابط الشرعية ، ولابد من البحث عن شخصيات كارتونية من التراث العربي لمحاولة انتزاع الأثر السلبي الناتج من تعلق الطفل المسلم بالشخصيات الكارتونية العالمية .

إن التلفزيون السعودي قدم عدة تجارب ناجحة في هذا الإطار ، ولعل آخرها البرنامج المتميز ( أفكار ومواهب ) الذي يقدمه الأستاذ صالح العريض ، موجها ألعابا رياضية وأساليب ترفيهية وقصصا مسلية تمتاز بالجدة والتنوع توجيها تربويا تعليميا ، تغرس في نفوس الأطفال حب الخير والفضيلة ، وتعطيهم ثقة في نفوسهم من خلال مشاركتهم في التعليق والحوار ، كل ذلك في أسلوب فني راق جدا ، وجذاب جدا .

وقدمت عدد من المؤسسات الوطنية نماذج رائعة في هذا المجال ، ولعل أبرزها شركة آلاء السعودية التي أصدرت نماذج رفيعة من أفلام الرسوم المتحركة بعدد من لغات العالم الإسلامي ، على أنه بقي أن تتبنى فكرتها القنوات العربية والإسلامية وتشجعها ـ وغيرها ـ على الاستمرار بعرض أعمالها على المشاهدين .

وقامت جهود هنا وهناك من عدد من الأندية الأدبية والمؤسسات العلمية والترفيهية ، ينقصها أن يكون لها استمرارية وتسويق ؛ لتحاول أن تقاوم هذا التيار الهادر ، والذي أخاف أن يغرق ثقافة أطفالنا لا قدر الله .

إن إقامة معرض الطفل الثقافي الأول بمناسبة اختيار الرياض عاصمة للثقافة العربية في منتصف محرم المقبل بإذن الله تحت رعاية صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز حفظه الله ، خطوة رائدة تشير إلى اهتمام بلادنا بشريحة عريضة من شرائح مجتمعنا قد تصل إلى النصف ، والذي أتمناه أن يكون نواة لمركز دائم تتبناه وزارة المعارف التي أقامت المعرض أو غيرها من مؤسسات العلم والثقافة .

إن التوعية الشرعية الدائمة في مساجدنا ، ومناهج التعليم في بلادنا ، والقيم السائدة في مجتمعنا تعد من أبرز التحصينات الدائمة لأطفالنا ضد هذه الثقافة الوافدة ، ولكن التيار جارف ، يحتاج إلى جهود مكثفة مستمرة ، وإنتاج يمتاز بالجودة والتجدد ؛ ليستطيع إقناع الطفل بتفوقه على ما عداه من غثائيات مهما كان بريقها .

برقية ..

إلى كل من يحمل فكرة نقية ، أو موهبة فنية أو أدبية ، أو قدرة مالية .. أن يتحمل جزءا من المسؤولية فيشارك بما يستطيع للإنتاج في هذا المضمار من خلال المؤسسات التعليمية أو التجارية من أجل ثقافة نقية لأطفالنا .



اترك تعليقاً