يمر العيد على أمتنا وهي تغص بمحنها ،فلا يستطيع الإنسان فيها أن يهرب          ـ بمفرده ـ من أحزانه إلى جزائر العيد البهيجة ، وحقه الشرعي في الفرح فيها ، متناسيا كل آلامه الشخصية والعامة ، ولذلك لا بد من صناعة الفرح الجماعي ، الذي يعيشه المجتمع كله ، دون أن تخدش عقيدة الأمة ، أو تلغى أطر المجتمع المحافظ . حينها يجد الفرد فرجة بين سحب الأحزان المتراكمة ، تقذف بحزم الضوء الذهبية ، وأطيافه العذبة ، فيعيش أجواء من السعادة والفرح ، المتسع باتساع دوائر الحب مع من حوله .. من أقارب وأصدقاء .. وجيران .. وكل من شاركه هذه المشاعر ..

قبل أن يفد العيد بأيام هلت بوادره الجميلة في الحملة الدعائية الجيدة التي نفذها المعهد العلمي في الأحساء التابع لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية لمهرجانه السنوي ( فرحة العيد ) ، والذي تقاطر كرذاذ المطر المنعش على قلوب آلاف المتلقين خلال أربعة أيام ، استمتع فيه الطفل الصغير ، والفتى الشاب ، والكهل والشيخ ، والعامي والمفكر ، ببرامج تحمل المتعة والفائدة معا ، وتتسم بالتنوع والتجديد ، وتذهل المتلقي بدقة التنظيم ، وقوة المادة ، وإتقان التنفيذ ، حتى إن الجالس على كرسيه  أمام هذا المشهد المبهر ،      لا يشعر بالوقت الذي يستمر نحوا من أربع ساعات كل ليلة ..

لقد قدمت عروض فنية من فرق مختلفة الاختصاصات والبلدان ، ولكنها تشترك في شيء واحد ، هو الإتقان والروعة في الأداء .

النشيد الوطني والتربوي كان يخطف الأسماع ، والتمثيل كان متقنا إلى درجة أن بعض الشخصيات التمثيلية تقمصت روح الدور الذي تقوم به وكأنها أصيلة فيه ، وليست طارئة ، والألعاب كانت مبهرة حتى إن الجمهور من الأطفال كان يتدافع إلى المسرح تدافعا كلما طلب المقدم عددا جديدا من اللاعبين الهواة ، والمسابقات كان طريفة ومنوعة وشيقة ، واللقاء الشعري كان مبتكرا وجديدا ، جمع بين الشعر والفكر ، ومرت ساعته كأنها دقائق .

إن المهرجان بهذه الضخامة يعد أنموذجا ناجحا لما تستطيع أن تنهض به مؤسساتنا التعليمية من دور اجتماعي رائد ، تخرج به عن رتابة العملية التعليمية ، ومنهجيتها المملة أحيانا ، وتتعامل مع المحيط العام بطريقة جديدة ، فتطل على الناس بما يحبون ، ويأنسون ، ويفرحون .. نعم يفرحون في الزمن الذي يشتري فيه الناس الفرحة بالمال .. وربما        لا يجدونها .

إن مثل هذه المهرجانات بقدر ما تعطي للعيد طعما جديدا ، فإنها ـ أيضا ـ تصقل المواهب الشابة ، وتوجهها ، وتصنع منها مستقبلا زاهرا ، يصب في النهاية      في وصولها إلى مستوى يرتفع بالمستوى العام للطاقات الوطنية الفاعلة ، ويجندها لخدمة دينها ووطنها ، بل ويسهم في صناعة السياحة مستقبلا ، بعد أن تأخذ هذه الأسماء حقها في الإعلام ، من تلفاز وإذاعة وصحافة .

بقي أن أشير إلى ضرورة الالتفات للمرأة في العيد ، بحيث تتاح الفرصة للبنات والنساء ، أن يقمن ببرامج تنفذ في إطار الفضيلة والحشمة ، كما هي عادة الحفلات التي تقيمها مدارس رئاسة تعليم البنات ، أو التي تقيمها ـ موسميا ـ بعض المؤسسات الخيرية التي لها قسم نسائي خاص .

بصمة

على لسان كل فرد في المجتمع الأحسائي أزجي أفواف الشكر والعرفان لجامعة الإمام ومعهدها العلمي … لأنهم انتزعونا من أحزاننا في الليالي التي ينبغي فيها أن نفرح ، ونشكر ، ونذكر الله بنعمه كما أمر ..