من إفرازات حالة الرفاهية التي تعيشها بلادنا ، هذا النجاح التسويقي الذي تحققه المطاعم بشتى أنواعها ، ولا سيما مطاعم الوجبات الخفيفة المتقدم منها والمتخلف . فأينما التفت في أي شارع مهم أو غير مهم ، أو على أي شاطيء سياحي أو طريق خارجي فلن تخطئ عينك مطعما عربيا أو أجنبيا ، يقدم الأغذية بأغلى الأثمان ، دون أن يؤثر ذلك على إقبال زبائنه الكرام . وبات من الطبيعي أن تجد ملصقات المطاعم تتزاحم على بوابات المنازل .
ومع كثرة الصيحات المخلصة من أطبائنا الفضلاء التي تحذر من مغبة الإسراف في تناول الوجبات السريعة والمشروبات الغازية ، إلا أنها صرخات في واد سحيق ، لا رجع لها إلا الأنين .
وإذا كان الناس قد غرقوا في التقليد والتفاخر على حساب ميزانية الأسرة المرهقة بالفواتير والديون ، وأصبحوا يمارسون ألوان شتى من الصرف غير المدروس ، فلماذا لا يتنبهون على طرقات جرس الأخطار المحدقة بصحتهم ؟!
في كل يوم تنشر الصحف قليلا من كثير من قصص التسمم الغذائي التي مصدرها هذه المطاعم ، والتي يكون نتيجتها أن تمتلئ المستشفيات حتى تغص أحيانا بالمصابين ، كما حدث قريبا في إحدى المحافظات .
ولنا أن نعجب من ازدياد هذه الحالات ، مع الزيادة المطردة في الرغبة من الناس في هذه الأطعمة المشبوهة من الناحية الصحية .
هل هو الكسل عند ربات البيوت ، بعد أن تخففن من كثير من الأعمال المنزلية بوجود الخادمات ؟ أم أنه إفراز طبيعي صاحب انشغالهن بالوظيفة ؟ أم تقليعة جديدة تقضي بأن يكون للأسرة أكثر من وجبة خارج المنزل لتغيير الجو ؟!
وإذا كانت الأسباب في وجود التسمم تعود إلى عدم توافر النظافة الكافية في المطاعم ، فلماذا لا يكون للبلدية قسم خاص بالمراقبة الصحية أقوى من الموجود حاليا ، مؤهلا طبيا وإداريا لمداهمة المطاعم التي تعبث بحياة الناس وصحتهم بصرامة ودون إنذار سابق ؛ كي لا تتيح لها فرصة التمثيل أمام المراقبين الصحيين ؛ لتختفي أجزاء الحشرات والشعرات والقاذورات التي تصدم شهية المتذوق إذا رآها ، وتهدد صحته إذا تفلتت من نظراته . بل لماذا لا تلزم المطاعم بوجود طبيب مختص في الأغذية ، يكون المسؤول الأول عن أية حالة تسمم تحدث تحت إشرافه ؟
لقد كدت أن أكذب محدثي حين أخبرني بأن هناك من المطاعم والملاحم من يبحث في المزارع عن الأغنام المريضة ، والعجفاء ، والتي تشارف على الموت ، فيأخذها بسعر مخفض جدا ؛ ليقدمها لعملائه الكرام ، مشويات تزكم الأنوف برائحة البصل والثوم والتوابل ، في غياب الأمانة ومراقبة الله عز وجل ، الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور . أو من خلال أكلة ( الشورما ) المفضلة لكثير من الأذواق ، والتي تشوى في الشارع ، فتتعرض للغبار والأتربة وزيوت السيارات ، لتتحول في بطن متلقفها بنهم إلى سكاكين تطعن أمعاءه بلا هوادة .
القضية تستحق من وزراة البلدية والقروية ووزارة الصحة دراسة جادة تتمخض عن قرارات على مستوى صحة الناس ، وحياتهم . والحفاظ على صحة المواطن هدف أعلى لدى حكومتنا الرشيدة ، يحتل مساحة بارزة على خارطة الموزانة السنوية ، والواقع الملموس ، والوقاية خير من العلاج .
بصمة
متى نكون أقوياء على مستوى القرار الشخصي فنقلل من ارتياد هذه المطاعم ، أو جلب أطعمتها إلى المنزل ؛ لنحافظ على أغلى ممتلكاتنا .. وهي صحتنا ..
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.