رحل عام .. ولم ترحل همومنا

وقفة مع الأمة ..

رحل العام يا أمتي .. ولكن همومنا لم ترحل ..

في كل محرم يأتي نتبادل التهاني الممزوجة بالدعاء أن يجعل عامنا الجديد عام نصر لأمة الإسلام .. ولكن النصر يتخلف ..

ما الذي يجعل السواد يتوشح رؤانا ؟

ما الذي يسلخ نور الأمل عن عيوننا ؟

من المسؤول عن كل أمراضنا المزمنة في خلايا قلوبنا ؟

من المسؤول عن دمائنا المسفوكة بيد الحاقدين على تاريخنا ومجدنا الغابر ؟

من المسؤول عن أعراضنا المسفوحة على طرقات القهر .. دونما ثأر ؟

أين ذهبت حميتنا ؟ رجولتنا ؟ عروبتنا ؟ غيرتنا ؟

هل شغلتنا أموالنا وأهلونا عن بني ديننا وأرومتنا ؟

لست أدري ماذا أصنع بهذه الأسئلة / الأسنة المغروزة بين شرايين فؤادي !!

ركض العام المنصرم ونحن نسجل كل يوم رقما جديدا لعدد شهدائنا على مسبحة الصبر الخنوع . ونملأ نشرات الأخبار بالصور التي تزهق روح الاحتمال ، وتمزق الأعصاب المكتفة ، ونضخم خطوط هزائمنا المتواصلة على أول سطر من صحفنا اليومية، ونشحن قلوب المصلين بالنار في خطب تلهب الدماء ثم تجري الدموع .. ثم .. لا شيء ..

الشعور بالعجز هو أقسى ما يحدث اليوم في أمتنا

لأنه هو المرض المقعد ، الذي ليس وراءه غير تقديم الرقاب لقطعها على مقصلة الذل

ترى إذا لم تكن أمتنا قادرة ـ اليوم ـ على مواجهة أعدائها المتربصين بها بالسلاح الذي يستخدمونه ضدها .. فماذا صنعت للمستقبل ؟

هل اقتنعت بواقعها ، واستسلمت له ؛ حتى أبت أن تفكر في مستقبلها ؟

ما خطتها ؟ ما طموحاتها ؟

أليس من حق الأمة أن تتحول إلى أسلوب جديد من العمل الجاد ، البعيد عن التأثيرات السلبية للواقع ، وأن تجعل لها خطا آخر ( خط البناء الذاتي للقوة المستقبلية الجديرة بتبوء مكانة خاصة في العالم الجديد ) موازيا للخط الأول ( خط الدفاع عن حقوقها المشروعة المسحوقة كل يوم ) ؟

وقفة مع الفرد

رحل عام أودعنا صحفنا فيه ما قدمنا ، سطرها لنا أو علينا كرام كاتبون ، يعلمون     ما نفعل وما نقول . في كتاب { لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها } .

رحل عام وأقبل عام ، رحيله عبرة لأولي الاعتبار ، وقدومه فرصة لأولي الأبصار، تولى بلا رجعة سوى الذكريات ، وحسب المؤمن أن يتذكر ما كسبت يداه ، وما نظرت عيناه ، وما تحمله ظهره ويمناه .

{ إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب }

رحل عام تقدر ثوانيه بأكثر من واحد وثلاثين مليون ثانية ، كل ثانية فيها ستشهد لنا   أو علينا ، ستشهد على ما دق وعلى ما عظم ، على كل حسنة وعلى كل سيئة    { ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد } فيا لصدق الشاهد ، ويا لعظمة الشهيد ، ويا لكثرة المشهود . { يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم ، فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } .

فما أشد غفلاتنا من هذه الثواني المتصرمة بين أيدينا ، وما أسوأ تناسينا لمثاقيل الذر والجبال التي تحصى من السيئات علينا .

إن لــنـفـرح بالأيام نقطعها      وكل يوم مضى يدني من الأجل

فاعمل لنفسك قبل الموت مجتهدا      فإنما الربح والخسران في العـمل

من حاسب نفسه في الدنيا خف في القيامة حسابه ، وحسن في الآخرة منقلبه ، ومن أهمل محاسبة نفسه دامت حسراته ، وساء مصيره ، وما كان شقاء الأشقياء إلا لأنهم كانوا لا يرجون حسابا ، وقعوا ضحايا خداع أنفسهم ، وأحابيل شياطينهم ، تطوى الليالي والأيام ، ويمر في لمحة البصر عام وعام ، حتى وافتهم المنايا وهم في غمرة ساهون ، وما علموا أنه ما من يوم يمر إلا أبعدنا من الدنيا ، وقربنا من الآخرة ، اليوم يهدم الشهر ، والشهر يهدم السنة ، والسنة تهدم العمر . أطال الله أعماركم في صحة وحسن وعمل .. 



اترك تعليقاً