رفقا بالأندية الأدبية

مشكلة الأندية الأدبية أنها تتعامل مع أساطين ( الكلام ) ، وممارسي ( الكتابة ) ، وعشاق ( النقد ) ، وهم ليسوا على ( منهجية ) واحدة في التطارح ، ولا ( منهج ) واحد في الاتجاه الثقافي والفكري والأدبي ، فليس غريبا أن تتلقى بين آونة وأخرى لفحا من فيح حرارة أقلامهم الضارية ، أو سوطا من سياط ألسنتهم الصارمة .

ومن وجهة نظري أنه من المستحيل الوصول إلى رضا تام على أي ناد أدبي من جميع المنتسبين إلى الثقافة والأدب ، ولكن ليس من الصواب أيضا ألا يسعى النادي إلى استرضاء كل فئات المثقفين ، ويحاول تقريبهم من حياضه الدافئة .

إن النادي الأدبي في أية مدينة هو المؤسسة الثقافية المؤهلة بإمكاناتها العالية ، أن تستوعب أمواج الأدب المتلاطمة في بحارها الثقافية ، وأن تتيح المجال أمام كل من له كلمة أن يقولها ، ثم تترك الساحة مفتوحة للآخرين ليداخلوا ويختلفوا ، ففي هذا المحيط تنمو ثقافة الأمة ، وتتلاقح طاقاتها ، وتتعلم ـ على الأقل ـ أن تختلف باحترام ، ثم تخرج محشومة الشخصيات ، ملتحمة النفوس ، مهما كانت الأطروحات بعيدة في وجهات النظر ، ما دام الاختلاف لم يتعد على كرامة أحد ، أو يخدش مكانته الثقافية .

وهو ما نراه في عدد من أنديتنا ، التي فتحت الأبواب لجميع الأدباء والمثقفين في المملكة ؛ مواطنين ومقيمين على حد سواء ، ولكنها ـ أحيانا ـ تلقى نوعا من الصدود والهجران الجسدي والنفسي ممن ينتقدها وهو بعيد عنها ، لم يحاول الاقتراب منها ليكون عضوا فاعلا في تطورها وتقدمها ؛ حسب رؤيته ، وتطلعاته ، وإنما بقي يطلق عليها التهم، ويلوك الأحكام السابقة ، التي أنتجتها محاليله المخبرية قبل سنوات ، ولم يرض أن يعترف بأي تقدم لها في هذا الشأن .

إن من الظلم للأندية الأدبية التي طبعت مئات الإصدارات ، ونظمت آلاف المحاضرات  والندوات ، وأبرزت مئات الشعراء والكتاب ، وأسهمت في بناء هوية ثقافية عملاقة لهذا البلد ، من الظلم لها حقا أن تقوض كل تلك الأعمال الكبيرة ، ثم نقف عند بعض المواقف التي لم ترق لنا ، أو الإصدارات التي نرى أنها لا تستحق أن تطبع ، أو .. إلخ فنجعل منها مادة محمومة للنقد اللاذع .

لا أشك أن هناك من سيرفض وجة نظري هذه ، ولكني بالتأكيد سأجد من يقف معي فيها ، وقد عودني التعامل مع النقد الأدبي أن أستقبل ما يكتب ضد فكرتي ـ مادام في إطار تفكير منطقي نزيه ـ مثل ما أستقبل ما يكتب مؤيدا وجهة نظري ، وأستفيد من كلا الطرفين النقيضين .

ولم أكن أحب أن أتحدث عن هذا الموضوع في مقالة صحفية ، نظرا لما قد يحفها من حساسيات وظنون لا أدري أين تبلغ سواحلها ؟! ولكني أطرحها اليوم بكل ثقة حين رأيت النادي الأدبي في المنطقة الشرقية يفتح ذراعيه بكل أريحية لجميع الكتاب والمثقفين والأدباء قبل أن يخطط لبدء نشاطه وفعالياته لموسمه القادم ، في شكل استبانة وزعها على الأدباء ، لم تدع إشكالية كانت تثار حول الأندية الأدبية ، إلا تركت فرصة الحديث عنها بكل عفوية وحرية ، كما تركت مساحة كبيرة للاقتراحات المفتوحة ، دون حدود ، وهذا امتحان جديد للأدباء الذين يرون في البعد لذة تجعلهم أكثر حرية للانتقاد ، لعلهم يعودون إلى عشهم الجميل ، ويعيدوا النظر في مواقفهم السابقة ، لعل القلوب تتآلف ، والعقول تلتقي ، والثقافة تزدهي ، والأدب يغرد من جديد لمستقبل قريب ، يكون أكثر نضارة ، وأكمل عطاء بمشيئة الله .. والله من وراء القصد .



اترك تعليقاً