رمضان والوفاق الأسري

كثيرا ما تنحى المرأة باللوم على زوجها في وجود المشكلة ، وتنغيص العيش ، والرجل يفعل ذلك أيضا ، فإننا نسمع كثيرا من الأزواج يكثرون الشكوى فيقولون : لا نشعر بسعادة في حياتنا الزوجية .. زوجتي لا تبادلني الشعور بالحب ، إنها سريعة الغضب ، كثيرة الطلبات ، تفتعل المشكلات ، وتبني حياتها معي على الشكوك والظنون ، وإذا اهتمت فإنها لا تهتم إلا بأبنائها .. وهكذا .. سلسلة من الأسباب التي يجعلها الأزواج سبباً في فشلهم وفقدانهم السعادة الزوجية التي كانوا ينشدونها..

وفي المقابل تشتكي الزوجات من أزواجهن ، زوجي كثير الصراخ في المنزل ، إنه لا يتحدث معي إلا وهو يأمر أو ينهى ، لا يبالي بمشاعري ، ترك تربية أولاده علي وانصرف لأصدقائه وأصحابه ، كثيرا ما ينغص عيشتي بذكره الزواج من أخرى ، يضرب أولاده بقسوة، وقد يضربني ، وكثيرا ما يشتمني ..

ولو نظرنا في واقع الأمر لوجدنا أن الفريقين كل منهما لم يفهم طبيعة الحياة مع الآخر، فإن لكل من الجنسين أعني الذكر والأنثى طبيعة خلق خاصة ، فالرجل عقلي يتعامل مع الأمور بالتفكير الحاد ، والحساب الدقيق للأشياء ، والنظرة المستقبلية البعيدة ، بينما المرأة عاطفية تتعامل مع الحياة بحساسية مرهفة، وكثير جدا من العواطف ، وبقليل من التفكير المنطقي ، وكل منهما يعبر عن مشاعره بالطريقة التي خلق عليها ، فالرجل بالعمل ، والمرأة بالحديث وبث المشاعر ، ولذلك لو أن كلا منهما حاول التعبير عن إحساساته تجاه الآخر بالطريقة التي يفهمها ويتعامل معها لاقتربت النفوس ، وتبددت كثير من المشكلات بينهما .

وإني لأهمس في أذن كل منهما : لا تصنعا من صغير الأخطاء كبيرها ، فالحياة بينكما عشرة وتذمم ، وتسامح وتجمل ، وعلى كل الأحوال فالصبر بين الزوجين على أخطاء الآخر وهفواته أمر مطلوب، فكل إنسان معرض للخطأ والزلل والنسيان.

من ذا الذي ما ساء قط      ومن له الحسنى فقط ؟

وقد بين النبي r طبيعة خلق المرأة ، وأن المتعامل معها ينبغي ألا يجهل هذه الطبيعة فيحسن إليها مهما كانت تصرفاتها ، قال صلى الله عليه وسلم : استوصوا بالنساء خيرا ، فإن المرأة خلقت من ضلع ، وأن أعوج شيء في الضلع أعلاه ، فإن هبت تقيمه كسرته ، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرا ” [ متفق عليه ] .

ولا يفهم من هذا الحديث ذم النساء كما يفعل كثير من الرجال حين يوردونها وهم يشتمون نساءهم ، بل هو تقرير لطبيعة المرأة ، وأنها خلقت لمهمة أخرى مهمتك أيها الرجل ، وهي أن تكون سكنا للرجل ، ومأوى لفؤاده ، وراحة لنفسه ، وكنفا صالحة لتربية أولاده ، قال تعالى : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } (21) سورة الروم.

ولا يحسن أن يكون خلق مثل هذا المخلوق إلا بهذه الطبيعة الرقيقة العاطفية التي خلقت بها المرأة ، فالضلع الذي خلقت منه حواء هو أقرب ما يكون للقلب ، وانحناؤه كما ينحني أحدنا على ولده ليضمه حنانا وحبا ورحمة، والمطلوب من الرجل ألا يطلب من المرأة أن تعيش بطبيعة خلقه هو من عقلية منطقية ، واستقامة تامة على خلق معين يحبه، وإلا فإنه سيكسر ذلك الضلع ، بل عليه أن يتعامل مع امرأته بحسب طبيعة خلقها ، ويستمتع بالحياة معها كما هي ، مقدرا لها أصل تكوينها ، وطبيعة نفسيتها .

وربما يزداد الأمر في رمضان أهمية ؛ لكون الصوم وما يمثله من نقص في الطعام والشراب ، ربما ازدادت حدة التصرفات عند بعض الناس بحكم طبيعتهم الخاصة ، فكان لا بد من مضاعفة الصبر ؛ لأن رمضان شهر الصبر المضاعف على طاعة الله والصبر عما حرم الله ، بل والصبر عما أحل الله من المفطرات في أوقات معلومة ، وفي هذا تعليم بليغ لنا جميعا وتربية عظيمة .

أيها الزوجان الصائمان ، إن رسول r قَالَ : (( الصِّيَامُ جُنَّةٌ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ وَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ مَرَّتَيْنِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي الصِّيَامُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا )) ، فإذا كان هذا شأن المسلم مع غير أهله أفلا يكون مع أهله اولى بذلك ، ألا يكون أهله أولى بذلك ؟



اترك تعليقاً