صبرا .. يا عادل

من أي باب ترى أستطيع أن أدخل قلبك الكبير ..

وبأية كلمة أبدأ حديثي معك ..

أصارحك بأنني مكثت طوال الأيام الماضية في تردد مثير لأعصابي ، محرك لأشجاني، ملهب لعواطفي .. أتساءل .. هل أكتب أم أصمت ؟!

إن المصيبة أكبر من أن أحيط بجوانبها ، والفاجعة التي تضاعفت ضاعفت     في قلبي الألم والحزن الشديدين .. حقا لقد جف المداد .. ولا والله ما جفت عاطفة ، ولا التأمت جراح .

لقد فجعت يا عادل في فلذتي كبدك ، وحشاشتي قلبك ، فصبرت ..

ولكن لتعلم ـ يقينا ـ بأنك لم تفجع وحدك .. بل إن في كل بيت   من بيوت أحسائك التي طالما وفيت لها ووفيت مأتما ومبكى .. منذ أول طلقة نبأ أصابت قلوب محبيك .. وعيونهم ظلت دامعة ترمق الأمل الخافت في محاجر غرفة الإنعاش .. حتى إذا غفت عينا محمد .. ولحق بشق روحه ، وتوأم حياته سعد ، تفجرت الأحزان مرة أخرى .. واشتعلت الزفرات .. وهلت الدموع السخينة مصحوبة بما يرضى الله تعالى .. لا حول ولا قوة إلا بالله .. الحمد لله على قضائه وقدره ، إنا لله وإنا إليه راجعون …

ولن أنسى أبدا .. لن أنسى صبرك العظيم في بلائك العظيم الذي ترجو به الأجر من ربك العظيم .. وجلدك الرجولي أمام هذه النازلة التي تزل فيها ألسن الحكماء ، وتضعف فيها قلوب الرجال ..

لقد جئت أعزيك .. فوجدتك تعزيني .. فتذكرت حديث الرسول r : (( إِذَا مَاتَ وَلَدُ الْعَبْدِ قَالَ اللَّهُ لِمَلَائِكَتِهِ : قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي ، فَيَقُولُونَ : نَعَمْ ، فَيَقُولُ : قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ ، فَيَقُولُونَ : نَعَمْ ، فَيَقُولُ : مَاذَا قَالَ عَبْدِي ، فَيَقُولُونَ : حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ ، فَيَقُولُ اللَّهُ : ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ )) .

كنت تلهج بالحمد والثناء على الله ، والمعزون يمرون بك وقلوبهم تمور حزنا ولهفا، وأنت تقول : شفاعتهما في الآخرة خير من منفعتهما في الدنيا ..

لقد كنت ترجو لهما مستقبلا حياتيا لا يبنى بغير النصب والتعب ، فاختار الله لهم مستقبلا آخر .. حين قبضهما قبل أن يبلغا سن الرشد .. أربعة عشر ربيعا .. ليكونا فرطين يستقبلانك وأمهم المصون في جنة النعيم إن شاء الله ..

قدما معا .. ورحلا معا ..

وإني لأرجو الله تعالى أن يجمع لك ـ بهما ـ بين عز الدنيا بالسمعة الحسنة التي تركاها مع كل أستاذ وقريب وصديق .. برغم قصر عمرهما ، وبين عز الآخرة ـ إن شاء الله ـ بعد أن صبرت وصابرت .. { إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } سورة الزمر : 10 .

وتذكر أن الرسول r فقد جميع أبنائه الذكور في حياته بل وجميع بناته ، إلا فاطمة وما مات حتى أخبرها بأنها ستكون أول اللاحقين به من أهله ، فما مرت ستة أشهر حتى لحقت به tا ، وفي البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : دَخَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَبِي سَيْفٍ الْقَيْنِ وَكَانَ ظِئْرًا لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَام فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِبْرَاهِيمَ فَقَبَّلَهُ وَشَمَّهُ ، ثُمَّ دَخَلْنَا عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِبْرَاهِيمُ يَجُودُ بِنَفْسِهِ فَجَعَلَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَذْرِفَانِ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ t : وَأَنْتَ        يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَقَالَ : (( يَا ابْنَ عَوْفٍ إِنَّهَا رَحْمَةٌ .. ثُمَّ أَتْبَعَهَا بِأُخْرَى ، فَقَالَ r : إِنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى رَبُّنَا وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ      يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ )) .

ووالله إنا لفراقكما يا سعد .. ويا محمد لمحزونون ..

أفسح الله لكما في قبريكما ، وخلف على والديكما ، وجمعهما بكما في الجنة ، بعد طول عمر وحسن عمل .. وعزاء لكل بيت في أحساء الوفاء ..



اترك تعليقاً