متى يفيق هؤلاء ؟

متى رأيت أباك ؟ متى رأيته يبتسم ؟ متى ضمك بين جنبيه وقبلك بين عينيك ؟ متى كانت آخر مرة أكلت معه أو جالسته فيها أوخصك بالحديث ؟

أسئلة بات يمكنك أن تتجرأ وتسألها لبعض أبناء اليوم ، المسحوقين وراء ستر الأبواب الموصودة !!

نعم لقد باتت علاقة بعض الآباء ـ بل والأمهات أحيانا ـ بأولادهم محصورة في تأمين الغذاء واللباس والمأوى ، وكأن أحدهم تاجر متعهد قد تبنى سكنا لطلاب   أو عمال ، جفت فيما بينهم علاقات الحنان والمودة ، وتقطعت أواصر القرابة والتراحم ، وبالتالي فقد الأولاد تأثير أهم محضن تربوي لهم على الإطلاق وهو الأسرة؛ فآخر ما يمكن أن يشغل بال آبائهم هو تقويم سلوكهم ، ومجاهدة تربيتهم ، وبالتالي فإنهم لم يحاولوا البحث عن أساليب حديثة في التربية ، مع أنهم يعيشون في العصر الحديث ، ويتعاملون مع أفراد واقعين تحت تأثير تياراته ، ويحتجون بأن أجدادهم الماضين قد نشأوا أجيالا نجحوا في حياتهم وهم يجهلون رسم الحرف وهجاءه ، فضلا عن الاطلاع على تلك الأساليب . وتلك حجة تبدو دامغة لذوي النظر القاصر ، متغافلة عن تبدل الأوضاع ، وتعقدها في ظل هذا المد التغييري الذي نال معظم شؤون الحياة من خلال وسائل الإعلام العالمية المختلفة ، ولذلك تستمر أمواج الأخطاء التربوية في التدافع ، ويستمر التشقق في بناء الأسرة المسلمة ، حتى تبدأ جوانبه في الانهيار لا قدر الله .

فيا ليت هؤلاء يفيقون من غفوتهم :

إنهم يجهلون مستوى أولادهم في دراستهم !

ويجهلون أصناف أصدقائهم ، ومن يهاتفون !

ويجهلون أماكن قضاء وقت فراغهم !

ويجهلون مصادر الأموال التي بين أيديهم ، وفيم يصرفونها !

ولا يحفلون بتغير سلوكهم وبالتالي لا يبحثون عن مصادر هذا التغيير ؟

قد ربطوا أحاسيس أماناتهم بموجات المد الفضائي ، ولكنهم تجاهلوا ماذا قد تضخ إلى دمائهم وعقولهم وقلوبهم في غياب الرقابة الأسرية الحازمة !

وربما نعقت الموضات الشوهاء في ملابسهم ، وراحت خروق المخدرات تدق في جوانبها أجراس الخطر ، ولكنهم لا يزالون في سكرتهم يعمهون !!

إن الأبحاث العلمية تؤكد أن الأسباب الأولى في انحراف الشباب والشابات واتجاههم إلى الجريمة والمخدرات وأوكار الفساد هي : ضعف الوزاع الديني ، وإهمال التربية الأسرية ، وصديق السوء .

فيا ليت شعري كيف يستبعد هؤلاء ـ في ظل غيابهم عن أسرهم ـ كل      ما يسرد عليهم الواقع من حوادث مريرة وقعت لأمثالهم ، فإذا تطور الأمر ووقعت الكارثة في عقر دارهم تدفقت الدموع الحمر ، وعض الغافلون أصابع الندم ، ولكن بعد فوات الأوان .

نعم إنني لا أستطيع أن أوجه اللوم إلى الوالدين فقط ، فالمسؤولية موزعة على كل المحيط الذي أدى إلى انحراف الشاب أو الشابة ، ولكن المسؤولية الأولى تقع عليهما فـ (( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته )) .

إننا في حاجة إلى أجيال مستقري النفسيات ، مستقيمي السلوك وفق منهج التربية الإسلامية المتوازنة ، يمتلئون بالطموح المتزن ، وينظرون إلى المستقبل بتفاؤل ، ويسيرون لتحقيق أمنياتهم وأمنيات أمتهم ووطنهم بخطوات ثابتة واثقة .

برقية ..

أيها الولي أفق قبل أن تدبر الفرصة ، ويحل الخراب فتخسر أكبر تجارة لك في حياتك ، وييبس أعظم غرس غرسته ، وهو أولادك .



اترك تعليقاً