فماذا عن قلبك .. أنت ؟

ها قد اغتسلت الأرض بطهور السماء ، وارتحلت القلوب إلى ينابيع البهجة ، واشترك الكون في تسبيح واحد .. لخالق الأرض والسماء .. فسبحان من أنشأ السحاب .. وسبحان من سبح الرعد بحمده والملائكة     من خيفته ..

نزل الحيا .. فأحيا به الله عروقا لا نبصر إلا بها مباهج الحياة من حولنا..

نزل الغيث .. فأغاث الله به خلايا في أرواحنا لا تعيش إلا به..

نزل المطر .. فاكتحلت مقل الثرى المتلمظ في تجاعيد جلودنا ..

الحياة بعده .. ليست تلك التي كنا نعيشها قبله ..

النفوس بعده .. ليست تلك النفوس التي كانت تخفق بالقلق بين جوانحنا..

كل شيء يتجدد تحت مداعبات أنامل اللؤلؤ المنثور من عنان السماء ..

ما الذي حدث ويحدث ؟!

أهذا الذي يكتب هو أنا الذي كان صامتا يختزل العالم الآخر بين حاجبيه؟!

أنا الهامد بين تلافيف الكتب المتراكمة من حولي ؟

ما اسم النار المتولدة في حروفي قبل أن تتخلق كلماتي ؟

ما اسم الأنهار المتدفقة من بين سطوري حينما انثالت تلك الكلمات؟

أيهذا الغيث الحائم في طبقات الجو .. استأذن ربك واهطل كلك .. نعم كلك !

لا تدع للجيل القادم من مائنا شيئا … !!

نريد ماءنا كله ..

فلا أظن أن الحياة سيبلغ بها الجفاف كما بلغ اليوم .. !!

إنني حينما أدعوك ـ أيها السابح فوق رؤوسنا ـ أن تدع علياءك وتهبط إلى حضيضنا .. ذلك ليس من أجل جيلي وحده ..

بل من أجل العصر القابع وراء المجهول في أنظارنا !!

أنا لست أنانيا .. ولكني مشفق على الإنسانية القادمة من وهج الآلآم الساكن في ظهور الرجال وأرحام النساء !!

فإذا كانت الأحقاد قد فاضت تحت أساسات بيوتنا .. فما الذي ينتظر جدرانها ؟

وإذا كانت العداوات تتوارثها دماء المحمومين .. فما الذي نتوقع لتماسك الإنسان في المستقبل القريب ؟

فلتهطل إذن أيها المطر .. فليس مستحيلا أن تنتعش بقايا المجد الآفل وراء الأحزان .

وليس بعزيز على الله الذي اهتزت بمائه الأرض وربت وأنبتت من كل زوج بهيج .. أن يهز ـ بك ـ بقايا العزة في عظامنا !

ولتغرق كل حفر الطرق التي تشكلت كالجدري المائي في كل شوارعنا ..

ولتجرف كل الغبار الساكن فوق مظلات نوافذنا ..

ولتصافح كل أوراق الشجر المرفرف حول أبوابنا ..

لا تتوقف .. حتى وإن تهدمت جدران أثرياتنا ..

ولكن لا تصغ لمن يرجو بُرُوقَك فهناك من قد يحترق بضيائها الخطاف..

ولا لمن ينتظر غضب رعودك .. فأولئك قوم لا يعيشون إلا على فرش الدموع والدماء ..

أيها المطر الراعد البارق المتواصل .. حنن دقاتك على لبنات الطين البالية ولا تجنح .. فهناك بيوت لا تهدأ إلا إذا رحلت ..

.. فإني أرجوك من ربي غيثا هنيئا مريئا غدقا .. تنبت الربيع بين نبضات أفئدتنا .. قبل أن تفرش خضرته فوق أرائك البسيطة من حولنا ..

حقا .. ما أروع الحياة حين تغتسل القلوب بماء السماء  



اترك تعليقاً