لا تحزن .. لتهنأ بحياتك

من يتأمل في سجل الحياة المنشور سيجد نفسه أمام حقيقة تفرض نفسها لا محالة ،  هي أن الفرد فيها ـ مهما أوتي من سلطة ـ لا يستطيع أن يحدد أحداثها كما يشتهي ،    ولا يملك إزاء تقلباتها أن يجعلها تسير وفق هواه ورغبته ، فهو يفقد أعز الناس عليه وهم بين يديه لا يملك لهم نفعا ولا ضرا ، وكم كان يتمنى أن يهبهم من أنفاسه ليعيشوا إلى جانبه ، وتفوته الرغبات وكانت مبذولة لأمره ونهيه ، ويؤمل الآمال ، فيبذل لها الأسباب؛ حتى يحس بأنه وصل إلى مبتغاه فيضمحل كل شيء ، وتتفرق سحابة الرجاء ، وتحل كآبة القلق مكانها ، ويظل يتساءل لماذا لم أحصل على ما أريد ، فينقلب القلق المؤقت هما وحزنا مزمنين .. واكتئابا ربما امتد سنوات متعاقبة !! ثم ماذا ؟

لا شيء غير الضجر ، وعبارات الجزع ، والاعتراض على أقدار المولى عز وجل ،     ثم ماذا ؟ ثم الإثم الكبير ! لا قدر الله ..

إن القاعدة العقدية تقول : ( ليس هناك شر محض ) ، فلماذا لا أبحث تحت ركام الشر عن لؤلؤ الخير ، وبين طاقات الثرى عن شذرات الذهب ، ولماذا لا أعترف بأن الدنيا ليست كلها لي وحدي ، فيوم لي ويوم علي ، وكما أعطيت يؤخذ مني ، أفلا أنظر إلى نعم الله علي كيف تغمرني من فوقي ومن تحتي ومن بين يدي ومن خلفي ؟

لم تشتكي وتقول إنك معدم              والأرض ملكك والسما والأنجم

ولك الحقول وزهرها وربيعها             ونـســـيمها والبلبل المترنم

أصارح نفسي في حالات الهدوء ..

ألم يجعل الله لك عينين .. بكم تبيعهما لمن حرم من ضوئهما الكاشف ؟

ألم يجعل لك أذنين .. أترضى أن تسبدل بهما القصر الذي اشتهيته فتسكنه أصما ؟

ألم يجعل لك لسانا ؟ هب أن ثريا سيتنازل لك عن ثروته إذا وهبته لسانك ، أو ترضى أن تكون ثريا أبكما ؟

ألم يجعل لك يدين ورجلين ؟ أو ترضى بصفقة تكون سلعتها تحقيق شهوتك التي حزنت على فواتها ، والثمن أطرافك الأربعة ؟

ستصيح بي .. كلا .. وكف عن هذه المقايضات المزعجة ..

وأقول لك : بل أنت :

أسرج حصانك دع همومك إنها            تزري بمن في قلـبـه إيمان

بل كيـف تحزن والحياة مسيرة            والمـرء لا تبقى به الأزمان

فهيا الهج بالشكر لمن أنعم وتفضل .. سبحانه .. فلا وقت لديك للتذمر من الحياة ، واستعادة الذكريات الرديئة ، تذكر نعم الله عليك واشكرها ، وقل : أو أتفكر في المفقود وبين يدي الموجود ؟

ثم لماذا تتعب قلبك بتوقعات المستقبل التي لم تقع ، فتشقي بها فكرك وقلبك وعقلك ؟ وربما عللت بها صحتك ، وأتعبت بها من حولك ! ألم تعلم أن أكثر المتوقع من الشؤم    لا يقع بإذن الله ، أليست خسارة حقا أن تتعب قلبك في الخوف من شيء لا يقع ؟

ثم لماذا تحزن ممن يقع في عرضك ، وينتقص من مكانتك ، ويتعمد إهانتك ، أأنت أعظم من الله خالق كل شيء ، ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وقد قيل فيهما ما احتضنته دفتا خير كتاب في الوجود . إنك مادمت ذا نعمة فسوف لن يسكت عنك حسادك عشاق النقد الآثم ، إنهم يتسلون بسيرتك ، ويتمتعون بلحمك وعظمك ، ولن تستطيع أنت أن تسكتهم ولو اتخذت نفقا في الأرض أو سلما في السماء!!

ألا فاصفح عنهم وقل: سلام ، وإنك لتستطيع أن تجني العسل من صاب ظلمهم ، حين تزيد في فضائلك ، وتربية محاسنك ، وتقويم اعوجاجك .

وربما شكوت من جحود العاقين ، أولادا أو طلابا أو موظفين أو أصدقاء أو من كان لك فضل عليهم ، فتصيح مع الشاعر الحجازي الصميلي :

ماجت حياضك من جهدي ومن عرقي          وأورق الخصب في زنديك من ورقي

وكــنت زادك في يأس ومخمصة                 وضوء ناري هدى في ظلمة النفق

فتزرع الشوك عمدا في مرابعنا                     وتضرم النار في روضي ومرتزقي

لا بل هيا وازرع البسمات المشرقة على الوجوه البائسة في كنف الفقر الخلقي فإنها لصدقة جارية في عالم القيم .

تلك بعض إحساسات وتعبيرات امتزجت بإحاساسات مرهفة وتعبيرات شائقة للشيخ عايض القرني في كتابه الرائع الذائع الانتشار ( لا تحزن ) فهل استطعت أن أشوقك لتقرأه كله .. أظن ذلك ..



اترك تعليقاً