إرهاق المراهق

تفاجؤ الوالدين بانحراف الولد مؤشر قوي على أن هناك بعدا ما بين المربي والمتربي، والمصيبة تكمن في نتائج هذا التفاجؤ المفجعة أحيانا. وإصرار الوالدين على أنه لم تكن هناك أية إرهاصات أو مؤشرات سبقت الإعلان عن هذا الانحراف من قبل المراهق، أو اكتشافه التام من قبلهما، هو دليل على الغفلة التربوية، وليس عذرا يكفي لتنصلهما من المسؤولية التربوية أمام الله تعالى أولا، ثم خلقه! كما أنه لا يلغي المسؤولية عن الذي وقع منه الانحراف. العملية التربوية عملية تراكمية، لا يمكن أن نأتي للحظة تعري الانحراف ونتعامل معها مباشرة مبتوتة عن تاريخ من العلاقات المتشابكة، المرتبطة بخصائص النمو واحتياجات كل مرحلة من مراحل العمر.

حتى مفهوم التربية مفهوم ناقص لدى كثير من المربين والمربيات، ويمكن اكتشاف ذلك من خلال الإجابة (الورقية) وليس (الشفهية) عن سؤال مهم يوجه بطريقة عكسية للطرفين: الأول: للمربي، ماذا قدمت لولدك خلال بضعة عشر عاما مرت، تمثل عمره كله؟ والثاني: للمتربي، ماذا تريد من والدك/‏أمك أو من يقوم مقامهما؟

والإجابة من الطرفين ستكشف الفجوة السحيقة التي قد لا ينتبه لها كل منهما، والغالب أن الذي سيحس بها أكثر هو المتربي، لكونه الذي يحس بالفقد، بينما المربي لا يحس إلا بالامتلاء، بل بالفضل الكامل، وبأنه قدم كل شيء: الأكل والشرب والمأوى واللبس والتعليم والترفيه والمصروف اليومي، وماذا بعد؟! ما الذي يمكن أن يُضاف إلى هذه القائمة الذهبية؟!

الإحساس بأنه لا يوجد احتياج آخر يمكن أن يلبيه المربي لأولاده خارج تلك القائمة، هو الذي ترك الفرصة أمام الغرباء ليقدموا بقية الزاد، وربما كانت (لقمة السكة حلوة)، كما يقول العامة في بلادي. قد يكون الولد مفكرا ولكن لم يجد الفكر في بيته فراح يبحث عنه في غابات الشبكة العنكبوتية التي يتيه فيها الراشدون أحيانا، وليس المراهقون الذين لا يزالون في طور التشكل والتفاعل الانفعالي مع كل جديد.

وفي مرحلة المراهقة تشتعل الطاقة الجنسية، ممزوجة بمشاعر عاطفية جارفة، وقد تكون الأخيرة عكازا للأولى، فيبحث الشاب في أجندة أسرته فيجد الزواج مؤخرا في ذيل القائمة، وربما يعلن الأب بأنه ليس مسؤولا عن تزويج ولده، وأن عليه أن يدبر نفسه إذا تخرج وعمل وجمع ما يكفي للمهر والسكن والسفر والنفقة و… بينما الأب في غنى وثراء أحيانا.

وتبحث الفتاة عن (الحب) في دفاتر الأسرة، فتجده مطمورا وراء العادات والتقاليد التي لا تسمح للأب أن يُقبِل ابنته، أو حتى يقول لها: (أحبك)، وتبخل بكل ذلك أمها دون أي مسوغ، وهي التي كانت تدلعها قبيل سنوات خلال طفولتها، وأحيانا تمنح الأسرة (الأخ) سلطة مفتوحة على أخته مع وجود الأب، وبدلا من أن يخدمها، ويغنيها عن غيره، يتحول إلى مراقب قاسٍ، يمتلك الحكم والتنفيذ، فتنشأ في نفس الفتاة (غربة) خطرة، تتمخض عن جاهزية لأي داعٍ لديه الاستعداد أن يلبي احتياجا مريضا من احتياجاتها المهملة في أسرتها.

التربية يجب أن تتجه إلى روح المراهق وفكره وقلبه وجسده، في توازن تام، من خلال ممارسات يومية، وبرامج تعدُ أسريا، أو تستثمِر ما هو متوفر خارج دائرتها، وكلما أرهقنا المراهق بالمناشط، وأغرقناه بالمهام، ازدادت ثقته في نفسه، فلو لم يكن أهلا لها لما أسندت إليه. وفي ذلك وقاية له من الانحراف بإذن الله تعالى، فإن من اقترب من ولده فهمه، وصار مرجعا له، ومن ملأ وقت ولده حد الإرهاق بالمهام الجليلة ذات المردود العقلي أو النفسي أو المالي فلن يجد هذا الولد ذكرا كان أو أنثى وقتا لأصحاب السوء في العالم الافتراضي أو الواقعي، بل سيجد نفسه أكرم من أن يكون تبعا لهؤلاء أو هؤلاء.

 

——————————————

المصدر: صحيفة اليوم https://bit.ly/3Wb8o1D



اترك تعليقاً