لغير المقبولين .. فقط

الحديث معكم معشر الشباب والشابات الذين لم يقدر لهم أن ينضموا تحت مظلة إحدى المؤسسات للدراسة أو للوظيفة أمر صعب للغاية ، بل شديد الحساسية ، ولا سيما في مطلع العام الدراسي .

ولو علمتم أيها الأعزاء أن الألم الذي تشعرون به وأنتم ترون الفرصة قد أفلتت منكم هذه المرة ليس هو كل الألم في حقيقته لهان عليكم الأمر ، فقد اقتسمه معكم آخرون فخففوه عنكم ، تحمل منه الوطن جزءا كبيرا حين افتقدكم في صفوف العاملين في بنائه أو من يعدون أنفسهم لذلك ، وكان يود لو وفر لكم ما تمنيتم ، وشعر به المقربون منكم فواروا ما يستطيعون منه عن عيونكم حتى لا يزيدوا أوراه في خواطركم .

ولكن هل التعامل مع هذا الموقف يكون بهذا الجانب السلبي فقط ؟

لا أظن أنكم ترتضون لأنفسكم أن تصفوا مع النائحات ، ولا أن تسندوا رؤوسكم على راحات أيديكم تذرفون دموع الحسرات . ولكن الذي ينبغي لهممكم الآن هو أن تتخطوا هذه العقبات النفسية إلى الجدية وتأهيل الذات للعمل ، والعمل وحده .

وأين هو العمل ؟

وهل البحث إلا عنه ؟

لكم أن تقذفوا بهذه الأسئلة في وجه حديثي ، ولكني أقول بكل ثقة : إن من يبحث عن العمل يعرف كيف يصل إليه . واليأس ليس من سمات الطامحين ولا المؤمنين ، ولكنها الهمة التي إن فقدت فقد كل شيء ، ومن قبض عليها فإنه سيصل بإذن الله إلى مبتغاه .

أترى كل الناس تعلموا على مقاعد الجامعات ؟

أترى كل الناس في وظائف مؤسسية ؟

لو كان الأمر كذلك لتعطلت الحياة . والواقع يدل على أن كثيرا من الأصدقاء افترقوا على بوابة التعليم الجامعي ، هذا دخلها فأكمل تعليمه وتوظف ، وذاك ودعها إلى الأعمال الحرة ، فكان الأخير أكثر نجاحا من الأول .

وأعرف شخصا كان ناجحا في تعليمه ، حتى نال الماجستير ، ولكنه فضل أن يُودِعَها في خزانته ، وينطلق في تجارته حتى أصبح من التجار الناجحين .

والبداية دائما تكون صغيرة ثم تكبر ، ومن يبدأ حياته بطفرة ربما يتعثر ويكون وقوعه كئيب العاقبة .

أعرف شابا استطاع ـ خلال انتظار الوظيفة التي يطمح إليها ـ أن يحصل على وظيفة مؤقتة براتب جيد تشغله منذ الصباح حتى العصر ، ويعمل بائعا حتى المغرب ، ويعمل في مؤسسة خيرية ( بمكافأة ) حتى العشاء ، وسمع خلال عمله المؤقت بحاجة المؤسسة إلى مستخدم بأجر يسير فبادر رئيسه المباشر برغبته في أن يقوم بهذا العمل نظير زيادة راتبه ، ولم تمض أشهر حتى وفقه الله للوظيفة التي كان يتمناها .

وأعرف شابا بقي حوالي سنة يعمل متدربا لدى إحدى المؤسسات ، ثم وظفته رسميا، ولم تتوقف به همته إلى هذا الحد لينام ملء جفنيه ، بل افتتح مشروعا تجاريا لا يملك حتى رأس ماله ، فبارك الله له ، وصار يأخذ منه أضعاف راتبه عشر مرات تقريبا.. ومع ذلك فإنه لم يترك عمله .

فلتبدأ بالبحث عن العمل المناسب لطبيعتك ولا تتوقف حتى تجد .. حتى تجد .

ومزق قناع ( العيب ) الذي يرتديه الشباب المترف ؛ حتى يبتعد عن الحرف التي يدعي أنها لا تليق بالمواطن .

وتلفَّت .. ستجد من حولك من بدأ حياته حمالا .. أو طباخا .. وأصبح اليوم ملياديرا يشار إلى إليه بالعشرة وليس بالبنان .

إن الدولة ـ رعاها الله ـ لم تبخل على تعليمك وتأهيلك ، فلا تبخل أنت على نفسك بمهنة شريفة تكتسب منها قوتك وقوت من تعول .

واقتحم ـ وأنت في انتظارك ـ ميادين الدورات العلمية ؛ ، وجرب نفسك في أكثر من فرصة عمل ولو بأجر يسير ؛ حتى تكتسب الخبرة ، وتضاف إلى رصيد ملفك ، ليقوى جانبك حين تحين فرصة وظيفة جيدة في أية مؤسسة ، وقلب وجوه التجارة فإن فيها بركة .

بصمة

ليس عيبا ألا يتقن أحدنا أمرا من أمور الحياة ، أو أن تقصر طاقاته عن المشاركة في عمل من الأعمال المنتجة ، ولكن المعيب فعلا ألا يكون له عمل ، روي عن عمر قوله : (( أرى الرجل فيعجبني فإذا علمت ألا عمل له سقط من عيني )) .



اترك تعليقاً