مرائر النقد

ليست المرة الأولى التي أذوق فيها مرارة عوائد النقد المعاصر ، فعلى مدى عقد من الزمان كتبت حول أدب بلادي الأحساء مجموعة من المقالات ، تناولت ضروبه المتنوعة ، وأجياله المتتابعة ، واتجاهاته المختلفة ، وبين الفينة والفينة تصلني من القراء آثار بعض العواصف التي لم أكن أتوقعها أحيانا :

فهذا : يجاملني حين لقائي ثم لا يلبث أن ينفلت منه غضبه فيداهمني بسؤال كرأس القدُّوم ( الفأس ) : لماذا لم تُشَيِّخ عمِّي ؟ يعني بذلك لماذا لم تضع لقبه المعروف به وهو ( الشيخ ) ، متجاهلا أنني أكتب بحثا علميا لا يلتزم إلا باللقب الأكاديمي .

وثان : يلتف من ورائي ويخاطب من يرى أنه قادر على إلزامي بتغيير ما لا يعجبه، فإذا واجهته بما سمعت عنه قال : لماذا تضع أخي في هذا المكان من النقد ؟ فأجيبه أوليس أخوك هو الذي قال ما استشهدت به في ديوان نشره بنفسه ، فيجيب أن : نعم ، ولكنه كلام مضى لسبيله في زمنه ، فأعجب من هذا الأمر ، فمن ينشر يكون رهينة بما قال ، وله مع ذلك أن يدافع عن نفسه ، وأن يرجع عن كلامه ،    ولا بأس ، ولكن : لماذا هذا الالتفاف، لماذا لا يواجه الشاعر بنفسه النقد الموجه له ، ويحاور ويناقش ؟

وثالث : راح يفتش عن اسمه ـ بعصبية ـ بين مجموعة من الأسماء التي تضمنتها مقالة تختار نماذج من الأدباء والشعراء يمثلون أدب المنطقة ، ولم تقصد تنحية البقية ،     أو عدم الاعتراف بأدبهم أو شاعريتهم ، ولا يعقل أن تضم مقالة كل قوائم الأسماء الطويلة التي تضمها بلد يعشق الأدب والشعر مثل الأحساء ، ولكنه يتصل ويصرخ حينما لا يجد اسمه : إن لي عددا من الدواوين ، ولي حضوري في ميدان كذا وكذا ، فلماذا أهملتني . وينسى أنني بشر أنسى ، وأن من حقي أن أختار من المجموع من أرى أنه يمثل الاتجاه والجيل الذي أتحدث عنه ؛ غير عابئ بأي نوع من الاعتبارت الأخرى غير موازين النقد التي أعتقدها .

ورابع : ينتفض فيه الحس الأسري ، حينما يكتشف أن جميع أدباء أسرته غابوا عن هذه القائمة ، وتروح به الظنون وتغدو في سراديب من الوهم وسوء التوقعات ، متناسيا أنني تناولت أدبهم في مقالات أخرى ، ودراسات أهم ، وأن بيني وبينهم من الود والمحبة  ما لا يتوقع معه قصد إهمالهم ، ويقابلني حكيمهم ويصارحني ، فأكون أصرح منه ، وأختم معه لقائي بسؤال : أين هؤلاء من كلمة ( شكرا ) حينما كنت أنشر المقالات التي تعبق بأدب أقربائهم ، أولما أوقعني سهوي من جانب ، وصدقي في الاختيار حين استوجب الإيجاز الاقتصار على الأهم والأشعر من جانب آخر جاءوا يضربون أكباد الظن السئ ليدافعوا عن مجدهم الأسري الذي لا يحتاج إلى تقرير مني وقد انبلج صبحه الأغر لذي عينين ، ولكنه ليس في الشعر ولا في الأدب ، ولكنه في ضروب شتى من العلم والعمل ، بلغ به هؤلاء صروحا من العطاء تتطاول في سماء بلادنا من بحرها إلى خليجها .

إن المجد ليس مقصورا على الشعر والأدب ، وبلادنا حين تعتز بعطاءات بنيها فإنما تعتز بكل إنسان بنى نفسه على أساس من العلم والتقوى ، ثم تسنم قمة من قمم المجد يشرف منها على نبع من ينابيعها ، يقوم على تدفقه ونقائه وعطائه .

والنقد حينما يلفت النظر إلى ضعف ما في شاعرية شاعر ، فإن ذلك لا يقدح في دينه ولا في خلقه ولا في مكانته الاجتماعية ، وربما كان عالي الشأن فيما هو أهم من ميدان الشعر والأدب .

ثم لماذا الغضب حينما يوضع ما نكتب في ميزان النقد ، فيقف المؤشر على القدر الذي بلغناه ؟

وكيف ننسى أن شاعر العربية الكبير أبا الطيب المتنبي ألف في شعره مئات الكتب ، لا يخلو كتاب منها من ذكر مثلبة من مثالب شعره ، وبعضها مختص في ذلك، ومع ذلك لم توهن كل هذه المعاول صخرته الشعرية ، بل زادتها صلابة وخلودا .

إننا في حاجة إلى نقد صريح ، لا نبالي فيه بأي نوع من أنواع الحساسيات الاجتماعية ، ولا المجاملات الشخصية ، وأن نربي مجتمعنا ( الذي يعشق المجاملات ) على الصراحة التامة ، وتقبل النقد الصادق الذي ليس وراءه إلا الصدق .. والصدق وحده .

بصمة ..

أعتذر لكل من خدشت أظفار نقدي حساسيته المفرطة ، أو من ند قلمي عن ذكر اسمه في موضع يستحقه .



اترك تعليقاً