المتقاعدون ينعشون الحياة

بلغ عدد الأشخاص الذين بلغوا سن 60 سنة فأكثر على مستوى العالم عام 2000م حوالي 590 مليون نسمة، ويحتمل أن يصل هذا العدد إلى حوالي 976 مليون نسمة عام 2020م، فالحاجة باتت ماسة إلى مزيد من التعليم والتعلم حول علم الشيخوخة الاجتماعي؛ هكذا صرخ علماء الاجتماع بعد الزيادة المطردة والطبيعية في عدد المتقاعدين، الذين دلفوا إلى عالم الشيخوخة الوقور.. وهو ما ننتظره جميعا إن شاء الله.

المتقاعد ـ في تعريفي الخاص ـ مشروع خبرة، وكتاب حكمة، ومنجم أفكار. حين ننظر إليه بهذه النظرة الكاشفة، يمكننا أن ننطلق في هذا العالم ونحن واثقون من خطانا نحو الاستقرار النفسي للمتقاعد، وفتح الأبواب الكثيرة أمامه، بعد أن أغلق بيده أو بيد النظام باب العمل الوظيفي المحدود.

وقد حث المهتمون بشأن التطوير الذاتي كل إنسان، على التفكير الإيجابي في كل شؤون حياته؛ لأنَّ حياة الإنسان تتأثر بأفكارِه فالأفكارُ التي تستثمرُها وتفكرُ فيها وتعيشُها هي التي تؤثرُ في حياتِك، سواءٌ أكانتْ في سعادةٍ أم شقاوةٍ.

ولذل فإن على المتقاعد أن يدرك بأن سعادته بيد الله ثم بيده هو، وأن عليه أن يواجه حياته من خلال اختياراته الحرة، كما أنه مسئول عن كل ما وصل إليه من نجاح أو فشل في الحياة، ويعيد علاقته بعالمه، وذلك باكتشاف كينـونته.

ومن أول أوليات المتقاعد: تحقيق الصحة النفسية لديه ، والتي تعني التوافق أو التكامل بين الوظائف الإنسانية المختلفة، والقدرة على مواجهة الأزمات النفسية التي تطرأ عليه مع الإحساس الإيجابي بالسعادة، والتكيف بين المتقاعد ونفسه، وكذلك بينه وبين العالم الخارجي، تكيفاً يؤدى إلى أقصى ما يمكن من الكفاية والسعادة للمجتمع الذي ينتمي إليه.

إن التقاعد الذي يعده بعض الناس بداية النهاية .. هو عند الحصيفين: بداية حياة جديدة، وفرصة لاكتشاف الذات، والتفرغ للنفس لتقييم إمكاناتها، بعد سنوات طويلة من العمل ومعاركة الحياة، وقد تنكشف فتتكشف فيه مهارات جديدة قد يتفرغ لها.

ومن أبرز إيجابيات المتقاعد أنه يمارس كل أعماله الجديدة عن حب ورغبة، دون أن يجد من يلزمه بها، فهو يختار ما يناسبه من أوجه النشاط الاجتماعي و الثفافي غير متقيد بقوانين العمل ولوائحه، مع إتاحة قدر كبير من الحرية له، وعدم الارتباط.

في هذه المرحلة يحدث تغير جذري في سير الحياة اليومية والسلوكات الدورية التي يقوم بها الفرد. هذا الأمر لا يمكن أن يتكيف معه المتقاعد بسهولة، ويتطلب ذلك وقتا طويلا يمتد من سبعة أشهر إلى عدة سنوات في بعض الحالات.

ولذلك فإن على المتقاعد أن يتأقلم مع وضعه الجديد، ويتعايش معه، ألا ينظر إليه على أنه قرار لتنحيته عن العمل؛ لعيب فيه، بل هي سنة الحياة في التجديد، وإتاحة المجال للأجيال القادمة للعمل والابتكار، دون أن ينقص ذلك من خبرات الكبار.

إن أمامه دوراً جديداً في الحياة، يتناسب مع قدراته الجديدة، وخبراته العريقة، التي لا بد أن ينتفع بها الآخرون بشتى الوسائل؛ ليواصل أداء رسالته في الحياة بشكل جديد، ومن موقع جديد.

الباحثون يؤكدون أن في مجتمعنا العربي مازال الكبار في السن يلعبون دورا كبيرا في الحياة الأسرية  ويسهمون بفاعلية في تقرير مصير الأفراد ويظل تدبير أمور الأسرة من واجباتهم التي لا يرضون بالتنازل عنها.  ويختلف الأمر باختلاف الظروف الاجتماعية والاقتصادية للأسرة.

الحقيقة السيكولوجية تقول: ((إن الشيخوخة يمكن أن تكون سعيدة لصاحبها إذا ظل يعمل في نشاطات لها معنى عنده حتى لو تخطى الثمانين)).

وأقول أنا: نعم سأموت أنا وسيموت ابني وسيموت حفيدي: ولكن الموت يؤكد أهمية وقيمة الحياة؛ لأنه الحقيقة التي تجعل من اللحظة الراهنة شيئا ذا قيمة.

وقد عبر أحد المتقاعدين عن هذا الشأن بقوله: “أنا أعلم يقيناً شيئين أولهما أنني سوف أموت في يوم ما ، وثانيها أنني حي الآن ، والسؤال الهام حقاً هو ماذا سأفعل فيما بين هذين الحدثين.

فليكن أبرز أعمالي هو في هذه المرحلة الناضجة من العمر؛ ليخلدني .. فمن المعروف أن كثيرا من  كبار الكتاب والمبدعين قد أنجزوا أعمالهم الضخمة في المراحل المتأخرة من العمر بعد أن تكون الخبرة والمعرفة  قد نضجت وأصبحت في ذروتها.

تلك إضمامة قطفتها من عدد من الأبحاث فالشكر للجميع.



اترك تعليقاً