إن ما تقوم به قنوات الإعلام العالمي من شحن عاطفي للأطفال، وتدريب يومي يدخلهم عالم ٱلجريمة بجدارة: يقول أحد علماء ٱلنفس: «إذا كان ٱلسجن هو جامعة ٱلجريمة، فإن ٱلتلفزيون هو ٱلمدرسة ٱلإعدادية لانحراف ٱلأحداث».. إن هذه ٱلمقولة على قلة ما تحويها من كلمات إلا أن فيها كثيرا من ٱلمعاني ٱلتي يجب ألا نغض ٱلطرف عنها، وإلا بذلنا ٱلثمن من أمننا وقوتنا وتماسك مجتمعنا. فكثيرا ما نرى ونسمع تلقين ٱلطفل كيفية فتح أبواب ٱلسيارة وأبواب ٱلبيوت بدون مفتاح، وكيفية إضرام ٱلتيار ٱلكهربائي بيد رجل بريء آخر بطريقة سهلة للغاية، بل كيف يمكن تخدير إنسان بمخدر مثلج تمهيدا لقتله بالغاز ٱلسام بطريقة ممكنة ٱلتنفيذ من قبل ٱلطفل، كل ذلك نظرا لما يراه أمام عينيه من حروب وقتال، وجرائم متقنة ٱلتصوير والإخراج، مبسطة مسهلة ليدركها بفهمه ٱلمحدود، وإن تكرار هذه ٱلمشاهد في تلك ٱلأفلام، وفي أفلام ٱلرسوم ٱلمتحركة بالذات يترك أثرا بالغ ٱلخطورة على أطفالنا، ٱلذي يعيشون في مجتمع آمن بفضل ٱلله تعالى، يقول أحد ٱلكتاب ٱلمختصين: ((إن ٱلأطفال ٱلذين يشاهدون سلوكيات عدوانية بحجم كبير في ٱلتلفزيون، بمقدورهم خزن هذه ٱلسلوكيات ومن ثم استعادتها وتنفيذها وذلك حالما تظهر ٱلمؤثرات ٱلملائمة لإظهار هذه ٱلاستجابة ٱلسلوكية ٱلعدوانية، وإن تذكر ٱلسلوك ٱلعدواني ٱلذي يقدم حلاً لمشكلة يواجهها ٱلطفل قد يؤدي إلى إطلاق هذا (ٱلمكبوت) من ٱلسلوك ٱلعدواني، ويصبح ٱلمفهوم ٱلعدواني مقترناً مع ٱلنجاح في حل مشكلة اجتماعية، ويظل ٱلتلفزيون ٱلوسيلة ٱلفعالة في قوة ٱلتأثير إعلامياً)). ولعل كل أب وأم قد لاحظا كيف ينشدُّ ٱلطفل أكثر عند ٱلمشاهد ٱلأكثر عدوانية؛ مثل: ٱلإكثار من ٱلأصوات ٱلعالية والضجيج والصياح ٱلغاضب، والشتائم ٱلمتكررة، والتهديد بالكلام والإشارات، والعدوان ٱلمباشر ضد ٱلأشياء: مثل ضرب ٱلأبواب بعنف، وبعثرة ٱلأشياء، وإلقاء ٱلأشياء ورميها بعنف، والكتابة ٱلعشوائية على ٱلجدران، وتكسير ٱلأشياء، وتهشيم ٱلنوافذ، وإشعال ٱلحرائق، والعدوان ضد ٱلآخرين.
وقد أظهرت بعض ٱلدراسات ٱلعلمية في أسبانيا أن 39 % من ٱلشباب ٱلمنحرفين تلقوا معلوماتهم ٱلتي استمدوها في تنفيذ جرائمهم من ٱلتليفزيون. وتؤكد ٱلكاتبة طيبة ٱليحيى: أن ٱلمجتمع ٱلغربي ذاته نبذ أنواعاً كثيرة من هذه ٱلرسوم منها أفلام ٱلخيال ٱلعلمي ٱلمثيرة وأفلام ٱلفضاء والقتال ٱلدائر فيه، بعد ما تبين للعلماء ضررها في تخريب نفسية ٱلأطفال ، إذ توسع أعمال ٱلعنف في نفوسهم وتجعلهم يعتادونها، والواقع أن ٱلرسوم ٱلمتحركة ليست وحدها ٱلمسؤولة عن مثل هذه ٱلجرائم، بل تشترك معها كل أفلام ٱلرعب والبوليسية والتحقيق ٱلأمني ، للكبار والصغار، وكثير من ٱلمجرمين يعترفون حين يقبض عليهم أنهم يقلدون جرائم ٱلأفلام ٱلتي تعرض عليهم، والحوادث ٱلواقعية أكثر من أن تحصر في هذا ٱلاتجاه.
أجريت دراسات على أطفال تتراوح أعمارهم بين خمس وعشر سنوات في إحدى ٱلولايات ٱلأمريكية، فاتضح أن ٱلأطفال ٱلذين استخدموا لعب ٱلحرب أكثر عدوانية من ٱلأطفال ٱلآخرين، وزادت فيهم نسبة ٱلضرب والاعتداء؛ مثل ٱلرفس وشد ٱلشعر والجلوس على غيرهم من ٱلأطفال، وأما ٱلأطفال ٱلذين استخدموا لعبا غير عدوانية؛ كالألعاب ٱلتي تعلمهم ٱلتعاون والتفكير ٱلمشترك، فإنهم كانوا أكثر هدوءا وبعدا عن ٱلاعتداء.
بل في لبنان أجريت دراسة حول برامج ٱلتلفاز وأثرها في شيوع ٱلجريمة فأكد 72% من ٱلعينة أن ما يعرضه ٱلتلفاز من برامج ٱلعنف يضر ٱلمجتمع أكثر مما ينفعه ، و41% أكدوا على أنها تؤدي إلى انتشار ٱلجريمة والعنف.
وأعرب كثير من ٱلآباء عن قلقهم إزاء ٱلظواهر ٱلسلبية في نفوس أطفالهم ٱلذين يستخدمون ألعاب ٱلحرب، فقد لمسوا زيادة ٱلنزعة ٱلعدوانية ، والسلوك غير ٱلاجتماعي.
وتلك مسؤولية موزعة بين مُلاك الشاشات، الذين يجب أن يرفعوا من مستوى الوعي لديهم في الرقابة والانتقاء وإيثار المصالح العامة على المصالح الفردية.
والأسرة التي يجب ألا تنتظر أصحاب الفضائيات حتى يعوا، ويقوموا بواجبهم، فالثمر ابن الغرس، ولن ينفع ندم بعد عدم.
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.