دفعت وزارة العدل بأرقام الطلاق للعام المنصرم إلى الصحف؛ لتكون بين أعين الجميع؛ لأن الجميع معني بهذا الأمر، ولا يوجد وزارة أو منزل غير معني بهذه الأرقام أبدا؛ فالطلاق قضية هائلة؛ أشبه ما تكون بقنبلة شديدة الانفجار، لا تعرف الانتقائية في الإضرار بمن حولها.
66 حالة طلاق يوميا، 66 أسرة تتفكك في مجتمعنا (كل يوم)، 66 بيتا يهدم في بلادنا (كل 24 ساعة)، (24428) حجم المأساة سنويا!!
هذه ليست مبالغات كما يدعي بعض المقللين من حجم الظاهرة، بل هي تعداد وزارة العدل؛ المصدر الأول لهذه المعلومات.
ألا يستدعي ذلك دراسة الظاهرة بقدر أوسع؛ لتتبعه قرارات كبرى لدعم أوجه الأنشطة الاجتماعية المختلفة التي ثبتت جدواها؟
إن الطلاق لا يقع ضرره على البيت الذي وقع فيه فحسب، بل يتعدى شرره إلى من لا يتوقع أن له أدنى علاقة به، إنه يعني ـ في أحيان عديدة ـ فرصة لتخصيب عالم الجريمة بعناصر فقدت المنزل الآمن المتماسك، ودور الأحداث تشهد بأن 75% من نزلائها من بيوت مفككة. كما يعني ـ كذلك ـ أمراضا نفسية وتجارب فاشلة وانكفاء على الذات، وضياعا في التربية، وتراجعا في إنتاجية العمل، وتشاؤما في الحياة، وتخلفا دراسيا، وبطالة، وانحرافا في الفكر والأخلاق…. بل يعني أكثر من ذلك، ولذلك يجب العمل على محاصرته تماما.
في لقاء لجان التنمية الاجتماعية في الخبر الذي انعقد ـ مؤخرا ـ تحت شعار (شركاء في تنمية الأسرة)، أطل صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن فهد بن عبد العزيز أمير المنطقة الشرقية بكلمة رائعة، رصد فيها القيمة الكبرى للعمل الاجتماعي، و(ضرورة) وجوده، وبادر بدعمه، وتبني الدعوة إلى دعمه ماليا ومعنويا؛ لأنه يؤمن بأنه ليس شيئا هامشيا، أو ترفا حضاريا، بل أصبح واقعا يفرض نفسه، ويتعامل مع حقائق مخيفة، تحتاج إلى مواقف ثابتة ومدروسة وعامة.
ولعلي أشير هنا إلى تجربة مركزي التنمية الأسرية في الدمام والأحساء، اللذين حظيا بتشجيع كبير من أولياء الأمور، وبتعاون مثمر مع عدد من المؤسسات الشرعية والاجتماعية والخيرية ـ وعلى رأسها رئاسة المحاكم، تمخضت عن انخفاض مستمر منذ افتتاح المركز في الأحساء ـ على سبيل المثال ـ حتى بلغت 14% فقط في العام المنصرم 1428هـ، بعد أن كانت قبل افتتاحه 20%؛ كل ذلك في ثلاث سنوات فقط، ولله الفضل والمنة.
ولعلي هنا أضع باختصار شديد أسباب هذا الإنجاز، الذي لا يمثل سوى بداية النجاح في دفع هذا الغول عن حياة الناس بقدر المستطاع:
من هذه الأسباب: تخصص جهة رسمية تمحض عملها لتحقيق هذا الهدف الاجتماعي الكبير، فإن كثيرا من أهدافنا العليا تضيع بين عدد كبير من المناشط التي تشترك في تقديمها مؤسسات كثيرة ليست مختصة.
ومنها: تأهيل الكوادر المتميزة من خلال برامج تدريبية يقدمها مختصون في هذه المجالات، وهي: ثلاثة: الاستشارات الأسرية، وإصلاح ذات البين، والتدريب الأسري؛ فإن المختصين الأكاديميين في هذه المجالات قلة، وهناك عدد لا بأس به من الراغبين والقادرين على النهوض بهذا العبء رجالا ونساء، يمكن تدريبيهم عليه وتأهيلهم للنجاح في أدائه.
ومنها: تعاون الجهات المعنية بهذا الشأن، بحيث يحدث بينها تكامل في الجهود، وإيمان كبير بأهمية هذا التعاون؛ لتمنع ولو حادثة طلاق واحدة، إن حماية بيت واحد إنجاز كبير، فكيف وقد هبطت حالات الطلاق في محافظة واحدة (مئة حالة) بالضبط، في السنة الماضية فقط، مما كانت عليه قبل افتتاح المركز بعام واحد فقط هو 1425هـ.
ومنها: دعم مثل هذه المراكز من أهل الخير، لأن من يسهم في إنقاذ بيت من الانهيار، إنما ينقذ نفسه، وأولاده، ومجتمعه.
ومنها: تعدد مسارات العمل؛ بين إشاعة الثقافة الأسرية (الإنماء)، ووضع المشكلات التي قد تحدث في الأسرة محل التحليل، والتدريب على دفعها قبل وقوعها (الوقاية)، ثم العمل على حل المشكلات بأنواعها، وعدم التساهل بأقلها (العلاج).
وقد أثبتت دراسة في المملكة أن المقبلين على الزواج إذا تلقوا برنامجا تدريبيا قبل الزواج لا تزيد نسبة الطلاق فيهم عن 3% فقط، بينما قد تبلغ في غيرهم 30-40%!!
ألا تستحق هذه الجهود أن تدعم ونقف معها؟؟
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.