في الفترة القريبة الماضية انطلقت ثلاثة برامج تدريبية رائدة، كلها مختصة في تأهيل القدرات المحلية؛ لقيادة العمل الاجتماعي في المنطقة الشرقية، أولها: أقامته وزارة الشؤون الاجتماعية في مركز الإشراف الاجتماعي بالدمام؛ لعدد من موظفيها والعاملين في القطاع الأهلي الاجتماعي التابع لها، يؤسس للنجاح في حملات التوعية الاجتماعية التي تقوم بها باستمرار، والثاني: أهدته مؤسسة الملك خالد الخيرية بالتعاون مع الأسكوا إحدى مؤسسات الأمم المتحدة العاملة في غربي آسيا؛ بالتنسيق مع فرع وزارة الشؤون الاجتماعية وعدد من المؤسسات التعليمية والجامعات، والثالث: تفضل به مكتب الشيخ عبد الرحمن بن صالح الراجحي وعائلته الخيري بالتعاون مع مركز تدريبي مختص.
الأول: كان معنيا بأسس النجاح في بناء الحملة التوعوية الاجتماعية التي تستهدف الحث على أمر نافع، أو التحذير من أمر مضر، مشيرة إلى قوانين التواصل الفعال مع المجتمع ومع الجهات القادرة على تمويلها أو الجهات المشاركة في برامجها، ومتطرقة إلى الذكاء العاطفي الذي يضبط انفعالات الإنسان في تقرير سلوكه، كما تذاكر عددا من التجارب الناجحة في المنطقة الشرقية.
والثاني: كان معنيا بتأهيل القدرات الوطنية على العمل الاجتماعي المنظم، وتأسيس اللجان المحلية على أساس علمي، وطرق التعرف على الاحتياج الحقيقي لمشروعاتها، وما يغذي نجاحها في أداء مهمتها، والوصول إلى غايتها؛ وبناء صلات وشراكات بين هذه اللجان على مستوى المنطقة، أو على مستوى المملكة، وتأهيل كوادر قادرة على تنمية المجتمع المحلي في جميع مناحيه، من منطلقات أهلية، تعتمد على مواردها الخاصة، البشرية والمالية، بل ويطمح البرنامج إلى انطلاق أفكار تنموية جديدة؛ نظرا لتواجد عدد رائع من المفكرين، والمبدعين، والمختصين، والقيادات الاجتماعية، من الرجال والنساء.
والبرنامج الثالث: يقفز بالقيادات الخيرية إلى مستوى علمي عالمي في إدارة المشروعات التنموية التي تقوم بها تلك اللجان والمراكز والجمعيات، يقوم على الاحتراف في خطوات التأسيس، والتخطيط، والتنفيذ، والمتابعة، والإقفال. متجها إلى التدريب على ذلك كله تدريبا عمليا؛ مما يتوقع أن يكون له أثر بالغ في الرقي بمستوى الأداء، واتساع النفع بهذه المؤسسات ذات المنتج الحيوي، الذي أصبح من ضرورات التنمية، والإسهام مع المؤسسات الحكومية في بناء الأمن المادي والوظيفي والنفسي، بل والأمن العام في مجتمعاتنا.
وما من شك بأن هذا التوجه العلمي في إعداد القيادات الاجتماعية ورعايتها، والاهتمام البالغ بتكوينها، وبث روح المشاركة بينها، يدل على وعي كبير يتنامى في مجتمعنا على مستوى المؤسسات الخيرية المانحة، والمؤسسات الخيرية والاجتماعية العاملة، بعد أن كانت الأولى لا تعطي إلا في الاتجاه الإغاثي؛ مما يجعل كثيرا من آفاق العمل الخيري مقفلا أو ضعيفا بسبب عدم وجود الدعم المالي، والأخرى تتسم بالارتجالية والاندفاع العاطفي، مما يجعل الأموال تنفق بشكل غير مقنن بالقدر الكافي، أو أحادي الاتجاه، مع أنه كان يمكن ضبطه وتقليل التكلفة فيه، وتوسيع دوائر الانتفاع منه، لو بنيت طرائق إنفاقه على أسس علمية.
ونظرا لغياب هذا الوعي والتدريب عليه في الفترات الماضية، فقد ولدت بعض اللجان المحلية خداجا، فهي ليست سوى اسم مسجل في الوزارة التابعة لها، ولا وجود لها في الواقع العملي، بسبب التعجل في إنشائها، دون وعي بخطوات التأسيس العلمية، ولا إدراك لحدودها، ولا إدارة فاعلة قادرة على استقطاب الطاقات المتميزة، والحفاظ عليها؛ بتفعيلها، وتوفير الجو الملائم لإبراز إبداعها لخدمة هذا المجتمع الغالي علينا جميعا.
إن التدريب أصبح ضرورة ملحة لتبادل التجارب، واكتساب القدرات، والتمرن على المهارات التي لم تكن ضمن الاختصاص الأكاديمي للعاملين في القطاع الاجتماعي، وبدونه سوف تبدأ بعض الجهات مرحلة التأسيس بداءة هزيلة، وما أسس على قواعد ضعيفة فسوف ينهار، أو يبقى ضاويا لا يقدر على شيء، فمن لم تكن له بداية محرقة لم تكن له نهاية مشرقة كما يقول أهل السلوك.
وبدون استمرار التدريب في جميع المراحل فسوف تبقى الجهات النائية عنه متخلفة عن ركب التقدم، والنظريات المستجدة، والأسس الإدارية الراقية، التي تختزل كثيرا من الجهود المبذولة دون وعي، وتوفرها لعطاء أكثر ثمرة، وأدوم نفعا بإذن الله تعالى.
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.