10 خطوات للإفراغ

لم يكن أبو محمد يقلق من شئ إذا باع عقارا أو اشتراه، مثلما يقلق من دخوله كتابة العدل، إنه يجد احتفاء كبيرا، وتقديرا من جميع الموظفين، بل من شيوخهم الأفاضل، بحيث تخجله تلك المعاملة الراقية، ومع ذلك فإنه ـ حقا ـ يقلق؛ بسبب الوقت الذي سيمر عليه وهو يتنقل بين المكاتب المبعثرة على طول طابق كامل، مع أنه يحمد الله تعالى أنها في طابق واحد، وإلا لأنهكه انتظار مصعد هرم، أو درج لم تعد أعصاب ركبتيه تقوى عليه.

لكنه لا بد له من خوض هذه التجربة في كل مرة، فإذا كان السوق هادئا فالأمر أهون، لأن عملية المرور على هذه المكاتب مصحوبة بالسلام والأجور والسؤال عن الحال، وبعض التمارين الرياضية في الممر الطويل، ولكن الأمر الممض الذي لم يستطع أن يقبله نهائيا حين يتحرك السوق العقاري، ويزداد المراجعون، ويقف الناس على كل مكتب بلا نظام، وبين : مكتب ومكتب مكتب، في غرف لا تتسع إلا لثلاثة أو أربعة، وتحت ضغط العمل يمكن أن يتبرم الموظف، ويتبرم المواطن، وكل منهما ضحية نظام قديم، لا يتناسب مع الأنظمة الإدارية الحديثة.

فليس مقبولا أن تتفرق المكاتب الصغيرة على مساحة تزيد عن 50 مترا طولا في غرف مغلقة أو شبه مغلقة، في زمن (الكاونتر) المكتب الطولي الموحد، الذي أثبت جدواه وجودة أدائه وسرعة إنجازه في مكاتب الاستقبال في كل الدوائر والشركات التي طبقته منذ سنوات.

وليس مقبولا أن يقف الناس دون نظام مع وجود أجهزة الأرقام الحاسوبية التي تطبق في الخطوط والبنوك ونحوها، فالإنسان من حقه أن يحترم بقدر ما تتيح التقنيات التي تعاصره فرصا جديدة لاحترامه وتكريمه، بعد أن كرمه خالقه في كتابه.

وليس مقبولا أن يبقى الدفتر (الطويل) يتنقل بين المكاتب، في وجود الشبكات الحاسوبية الداخلية، و(الإنترانت)، التي تتيح لكل موظف أن يرسل المعلومة في لمح البصر إلى زميله، ليتم إجراء آخر عليها.

وليس مقبولا أن تمر المعاملة في عشرة إجراءات، دون أن تقام دراسة إدارية مختصة؛ لاختصار هذه الإجراءات دون المساس بقدسية عقد البيع شرعا، مع الاحتفاظ بكل الاحتياطات الأمنية اللازمة لأمن مستقبلي للمعاملة.

وليس مقبولا أن يظل الإرشيف يدويا في زمن الحاسب الآلي القادر على اختزان ملايين الوثائق.

وليس مقبولا أن تظل الوثائق بالخط اليدوي، والتعليق على ظهرها بعدة بيوع، في وجود برامج مختصة، تجعل من الوثيقة لوحة جمالية، بخطوط رائعة، مع ضمان توثيقها بالأختام الرسمية.

نعم دخل أبو محمد مقر كتابة العدل، فوجهه بعض الموظفين إلى الدخول إلى المدير، سلم عليه وعرض صكه، فأشار إليه أن يذهب إلى موظف في مكتبه، الذي سجل معلومة على ورقة، ثم حولها إلى زميله المجاور له، حيث سجل معلومة في الحاسب، فرح أبو محمد حيث وجد حاسبا، لكنه فرحته انطفأت فورا، لأن الموظف أرسله إلى الإرشيف، حيث أمره موظف الإرشيف أن (يستريح) وهناك جلس ينتظر، فلما طال الأمر عليه؛ حيث لم يجد مسوغا لانتظاره، أطل من خلال نافذة صغيرة، لا يمكن أن ترى شيئا من خلالها إلا إذا أدخلت رأسك، سأل الموظفين عن معمالته، نهض لها شاب مرح، وأنهاها، فحمد أبو محمد ربه أنه سأل، وإلا لأنفق مزيدا من الوقت، انطلق بصكه إلى سكرتير فضيلة الشيخ حيث سجل معلومة، ثم حوله إلى فضيلة الشيخ الذي استقبله بابتسامة وترحيب، ثم أشر المعاملة، وأرسله إلى مكتب في الضفة الأخرى من الطابق، حيث تضبط البيعة ويشهد الشهود، ثم عودة إلى الشيخ الفاضل مرة أخرى الذي أمضى المعاملة، ثم زف البشرى للبائع بابتسامة أخرى أنه يمكنه أن ينصرف؛ ليبقى المشتري؛ حيث أرسله إلى الإرشيف، وهناك أخذ موعدا بعد الظهر لاستلام صكه!! والسؤال.. بعد كل هذه الإجراءات، لماذا بعد الظهر؟

ومتى ستحذو وزارة العدل حذو الوزارات الأخرى في تحديث إجراءاتها واختصارها؛ رحمة بموظفيها، وبعملائها؟!



اترك تعليقاً