لا أظن أن أصحاب المناصب العليا ينتظرون من كاتب برقية تهنئة أو حفلة استقبال، حين تصدر قرارات توليهم أو التجديد لهم فيها، بل ينتظرون منه أن يسهم معهم في تحمل المسؤولية العظمى التي تحملوها، برأيه ورؤيته، ونقده الإيجابي البناء، لا سيما في زمن ازدادت فيه الاحتياجات، وارتفع فيه مستواها، وامتدت فيه الأعين إلى نماذج عليا هنا وهناك، في كل شأن من شؤون الحياة، وصار لكل جهاز رقابة داخلية تقيس مستوى الجودة في أدائه، وجهاز عام له حق الرقابة والتوجيه.
وإن الدولة حين تختار شخصا بعينه ليكون وزيرا أو مدير جامعة أو رئيس هيئة عليا أو مستشارا أعلى، أو مثل ذلك، فإنها تنيبه عنها ممثلا لها في منصبه، إن أحسن أو قصر، فالحكومة إنما تتمثل في قياداتها الكبرى التي ترعى مصالح الناس، وتسهر على تهيئة الحياة العامة لتكون في نمو مستمر نحو التقدم الذي تنشده كل أمم الأرض، والذي ينبغي أن يكون لائقا بالمملكة العربية السعودية محضن الدين، وروضة الأمن والاستقرار، وميدان العطاء والتنافس على الخير، ومنطلق الإبداع في جهاته الست.
المنصب الكبير مسؤولية كبرى، وأمانة عظمى، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الحسن: “لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له”. فقرن الإيمان والأمانة والوفاء بالعهد معا، وفي زمن يركض تقدما وصراعا مع المستجدات، تزيد مسؤولية الكبار، لتحقيق مزيد من الإنجازات في وقت قصير، وإذا كانت معظم المسؤوليات مؤقتة بسنوات محدودة، فلابد أن يكون لكل مسؤول إستراتيجية وخطط، تأخذ بزمام المبادرات، ولا تنتظر الأزمات، ففرق بين الرؤية البعيدة التي تستشرف الاحتياج قبل أن يقع، فتديره بقوة الفعل والإرادة المتوازنة، وتشعر المستفيدين بأنها إدارة جديرة بمنصبها، وبين رؤية قاصرة كل أعمالها إدارة أزمات، فلا تكاد تخرج من أزمة إلا تقع في أختها.
والمستقبل طيف جميل، يجب أن يحلم به الوزير بحجم الوطن الذي يخدمه، والميزانية الضخمة التي وضعت تحت تصرفه، والدولة التي وضعت ثقتها فيه، والشعب الذي ينتظر خدماته، وهو يعلم الإمكانات التي توافرت بين يديه.
إن “الفرق بين الحلم والهدف ليس إلا أن الهدف حلم يصاحبه موعد تنفيذ” كما يقول جاي جريفيث، وتلك العلامة الفارقة بين من إداري يعيش الأحلام، ويكيل المواعيد للناس، وتنقضي مدة عمله ولم ينجز سوى المعاملات اليومية التي على مكتبه، و(العمل يمشي)، وبين وإداري يجدول كل أحلامه، لتقع ـ بإذن الله تعالى ـ في مواقعها الطبيعية، بين إداري يقف عند كل عقبة تمر به يراقبها، وينفخ فيها، بدلا من محاولة تذليلها، فتمضي به الأيام، وليس له إلا الزفرات والتخوف، والتعلل بعلل لا تنقضي، وقد قالها جون باريمور: “لا يكون الإنسان عجوزا حتى تزيد حسراته عن أحلامه”. السن لا يمثل أية قيمة في المناصب الكبيرة، فكم شاب عجزت مخيلته عن الحلم، فضلا عن تنفيذه، وكم شيخ همته فوق النجوم، يعيش بأعصاب ربيعية ناضرة، تتجدد مؤسسته تجدد الأرض بعد الغيث العميم.
إن من طبيعة الأعمال الضخمة أن ينتابها الكدر، ولن تكون عظيمة وهي دانية القطاف، فلولا المشقة ساد الناس كلهم، كما يقول أستاذنا المتنبي، والنفوس الكبيرة قادرة احتواء ما يسميه الناس فشلا، وها هو ذا تشارلز نوبل يؤكد لك بأنه “إذا كان لديك أهداف عظيمة طويلة المدى، فلن تؤثر فيك الإخفافقات المؤقتة”.
أحلام الوزراء والمدراء والكبراء هي مستقبل البلاد، فلابد أن تكون عظيمة عظمة بلادنا، حماها الله تعالى وباركها.
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.