قال الإسكندر المقدوني لولده يوما : ((إني لا أتمنى أن تكون أذكى رجل في العالم، ولكني أتمنى أن تكون قادرا على الاستفادة من عقول الآخرين)). وقال آخر : (( من شاور الرجال شاركهم في عقولهم )).
نشأة بعض الناس في بيت يتحكم فيه فرد واحد ، يجعل منه في المستقبل أحد شخصين ؛ إما مسخا ضعيفا غير قادر على أن يقضي لنفسه أمرا ، ولا أن يتخذ قرارا ، بل هو دائما في حاجة ماسة إلى من يأمره وينهاه ، ويرسم له حتى طريقة تنفيذ الأمر والنهي. وإما أن يكون نسخة من ذلك المتسلط ( ولو كان أبا أو أما ) ؛ لكونه يراه قدوة نجح في إخضاع الجميع لسلطته ، فإذا بسلسلة من المركزيين تتناسل بهذه الطريقة ، في إدارة البيوت أو إدارة المؤسسات.
وماذا تتوقع من مؤسسة أو بيت تسوده المركزية وإلغاء العقول الأخرى التي ربما كانت أفضل وأوسع وأدهى وأعمق وأقدر من العقل المدير بالمنصب الأبوي أو الهيكلي.
إن النتيجة الطبيعية سيكون منها ضعف التخطيط، وضعف الأداء، ورتابة الحياة، والتخلف عن ركب التطور والتجديد، هذا من جانب ، ونتيجة ثانية تمس المدير أو الأب ذاته ؛ حيث تتكاثر عليه الأعمال ، وتتضخم الواجبات ، ويحس بالإعياء والتعب ، ثم يبدأ التنفيس من خلال مزيد من التبرم بالمهام الأبوية أو الإدارية ، ومزيد من الغلظة والجفوة ، وربما سوء الخلق والتعامل مع من هم تحت ولايته، حتى ربما ترك مسؤوليته نهائيا ، ولجأ إلى التفويض الكامل لمن هم ليسوا أهلا لذلك ؛ كالخدم والسائقين في المنزل ، أو من يثق في ولائهم، أو ظل به شقيا منهكا. وأما النتيجة الثالثة فهي تعود على المرؤوسين / أولادا أو موظفين؛ الذين يصبرون في البداية ، ثم يحتقنون ، ثم ينفسون بطريقة غير سوية ، فيعاتبون ويتكرر العتاب أو العقاب ، فيحتقنون مرة أخرى ولكن أشد ثم ينفجرون ربما أمام الآخرين.
ولكن لماذا هذا الصنف من الناس لا يشاور ؟
أظن أن السبب له ثلاث شعب ، الأولى : أنه يرى أنه إنسان فوق مستوى المراجعة أو الخطأ ، ومثل هذا جدير به أن يعيش ضعيفا مهما تقوى ؛ مهموما مهما نجح ؛ إذ لا بد من الفشل ولو مرة بعد مرات النجاح ، وقد قال بشار : (( إن المشاور بين صواب يفوز بثمره ، أو خطأ يُشارك في مكروهه )) . وقال آخر : (( من شاور عاقلا أخذ نصف عقله)).
والشعبة الثانية : أنه يرى ضعف قدرات الآخرين وعدم أهليتهم لأن يشاركوه قراره ، وهو كبر وغطرسة وتضخم للأنا ينذر بسقوط ، واحتقار لغيره لا يليق بالكبار ، فرب صبي هدي إلى رأي عجز عنه الكبار. يقول القاضي ناصح الدين الأرجاني :
اقرن برأيك رأي غيرك واستشر فالحق لا يخفى على الاثنين
المـرء مـرآة تـريـه وجهه ويرى قفاه بجمع مرآتـين
والشعبة الثالثة : أنه لا يجد الوقت الكافي لعرض مشروعاته أو أفكاره على طاولة النقد أو التفكير، حتى اجتماعاته هي لمجرد عرض قراراته ، وليس للاستماع إلى أفكار غيره؛ وقد عرف عنه ذلك ممن هم حوله، فهو يقاطعهم إذا أبدوا رأيا مخالفا لرأيه، ويوجه إليهم نظرات حادة إذا تحدثوا بحرية؛ فانصاعوا لأسلوبه وطريقته ، فخسروا وخسر وربما خسر المجتمع المستفيد منهما حاليا وبعد ذلك ، وهو لا يدري بأن ((من استبد برأيه هلك)).
يقول بشار /
إذا بلغ الرأي المشورة فاسـتـعن برأي لبيب أو نصيحة حازم
ولا تجعل الشورى عليك غضاضة فإن الخـوافي قـوة للقوادم
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.