الإجازة الصيفية .. فرصة أم مشكلة؟!

معضلة هذه الثنائية التي يحملها العنوان محلولة في الإرث الاجتماعي الصيني، حيث ينظرون إلى الفرصة ـ غالبًا ـ على أنها نتيجة لتجاوز المشكلات، وأن التحديات والمشكلات فرص للنمو والتطوير.

والحقيقة أن (الإجازة الصيفية) بالنسبة لأولادنا تمثل مشكلة، إن لم نتعامل معها على أنها فرصة يجب أن تهتبل باحترافية، وتخطيط دقيق يسبق خوضها. ولا بأس بتدارك الأمر في أي وقت تستيقظ فيها الأسرة لخطورة ما قد يحدث عندما تهمل استثمارها.

(60 يومًا) متتابعة من أعلى ثروة يمتلكها الإنسان على الإطلاق: ثروة (الوقت) الذي لا يمكن أن يشترى عند الحاجة، ولا أن يُعوَّض إذا فات، ولا أن يُخزَّن لوقت آخر!!

ومن مميزات الإجازة النفيسة (الحرية) في اختيار نوع الأنشطة، وأماكنها، ومن يقدمها، على خلاف النظام التعليمي الذي يختار كل ذلك للطالب والطالبة، ولا يترك فرصة لاختياره.

وفي عالم اليوم أصبحت المهارات تنافس الشهادات، في التوظيف، وفي القيمة الاجتماعية، وفي مستوى التأثير وسعته، وفي الاستثمار المالي. والإجازة الصيفية هي البيئة الأفضل لاستكشافها، ولتنميتها، ولاستثمارها كذلك، وإن عددًا من الشباب والفتيات بدأوا فيها رحلة الإبداع والتميز في النشاط الذي اختاروه، ثم انطلقوا في ميادين رحبة، وفضاءات واسعة.

وفي مجتمعنا السعودي تتنافس الجامعات والمؤسسات الأهلية في طرح عشرات الفرص الإنمائية الرائعة، لتترك الخيارات مفتوحة أمام الأسرة الواعية؛ لانتقاء أفضلها وأقربها إلى ابنهم أو ابنتهم، وهنا تقع المسؤولية على كاهل المربين وأولياء الأمور في حسن الاختيار، المبني على الفهم العميق لاتجاهات ولدهم، ومدى تقبله، على أن يضعوا في حسبانهم أن يرشدوه ويشجعوه على الدخول فيما يفيده، لا فيما يرغبه فقط، لافتين نظره إلى المستقبل الذي ينبغي أن يستعد له منذ الآن، حتى لا يتفاجأ به.

ومن خلال عدد من التجارب وجدت أن إقحام الولد في عمل مناسب خلال الإجازة، في بيئة مُلهمة، هو من أنجح الفرص على الإطلاق، لأن عقدًا من القيم سوف تنتظم في مفاهيمه ومن ثم في سلوكه، مثل: الاستقلالية، وتحمل المسؤولية، وارتفاع مستوى تقدير الذات، والقدرة على تكوين العلاقات الاجتماعية، وتجربة لذة الإنجاز، والاعتماد على الذات، والإصرار، وأخلاقيات المهنة الكثيرة، وما لا يحصى من المهارات والفوائد.

إن إهمال التخطيط والتفعيل واستثمار الإجازة لأولادنا ـ كما تدل الدراسات الأكاديمية ـ قد يعرض الشباب من الجنسين لانخفاض التحصيل التعليمي بعد العودة للدراسة، وارتباك الأدوار، والإفراط في النوم، وهدر الأوقات، والعزلة الرقمية، وضعف الحركة الجسدية، والاضطرابات النفسية، بل يهدد الشباب بالانحراف السلوكي، وصحبة السوء، والوقوع في شباك تجار المخدرات، والتأثر بما يشاهدونه من غثائيات وسائل التواصل.

وهذه دعوة للأسر أن تكون الإجازة الصيفية فرصة لمزيد من التواصل والتماسك، والتعامل بمرونة مع رغبات أبنائهم وبناتهم، مع مراقبة الشاشات، وتقليل الوقت المقضي معها، والإكثار من النشاطات التي تقضيها الأسرة معًا، مع الحث على القراءة والتعلم الذاتي، والمشاركة في الورش والدورات النافعة. وعلينا أن نوقن بأن استثمارنا في أولادنا أهم من استثمارنا لهم.



اترك تعليقاً