أعظم الأيام

أعظم أيام السنة تاسع العشر ؛ يوم عرفة هذا اليوم الذي يقول فيه الحبيب r : ‏(( ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة ))  

في هذا اليوم المبارك يلتقي الحجاج من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم وليذكروا اسم الله في أيام معلومات ، ويشكروه ويستغفروه ؛ يجددون العهد مع الله أن ينخلعوا من جميع الآثام والخطايا ؛ ليستأنفوا حياة جديدة نظيفة مستقيمة بعد أن أملوا من الله أن يرجعوا من ذنوبهم كيوم ولدتهم أمهاتهم كما بشرهم الصادق المصدوق r .

وطوبى لمن شارك الحجاج يومهم وإن لم يحج .. شاركهم في التعرض لنفحات الله في هذا اليوم العظيم فصامه ليكفر عنه ـ بإذن الله ـ : (( السنة الماضية والباقية )) ؛ ودعا وأكثر من الدعاء ؛ لقول الرسول r : (( أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة )) ، وأكثر من ذكر الله ؛ لقول الله تعالى : { ويذكروا اسم الله في أيام معلومات } .

وبعد كل هذا .. فإن من أهم أسرار الحج أنه يربطنا بقدوتنا العظمى محمد بن عبد الله r ، الذي قال : (( خذواعني مناسككم )) ، فالمسلم الذي راح يسأل ويتحرى أن يكون حجه كله وفق الهدي النبوي الكريم ، يرجو ألا يحيد عنه ، رجاء قبوله ، ينبغي له كذلك أن يتأسى به في كل حياته ، فالله تعالى يقول في محكم التنزيل : { قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ، لا شريك له ، وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين } . إنها آية عظيمة تضع المسلم أمام حقيقة ربما غفل عنها في خضم الحياة ، وهي أن حياة الإنسان كلها ، بل ومماته يجب أن يكونا وفق نهجه وهديه كما هو شأن صلاته وعبادته المحضة ، يتقفى في ذلك كله أثر الرسول الكريم r ،فلا يستعير منهجا لماله من جهة ، ومنهجا لأسرته من جهة ثانية ، ومنهجا لفكره من جهة ثالثة ، ولا يدع لله إلا ركعات ربما لا يدري ماذا قال فيها ، وصياما فقد حقيقته ، وحجا جهل أسراره ، فعاشه بجسده ولم يعشه بقلبه ، فإن لا إله    إلا الله منهج متكامل للحياة كلها بلا استثناء : يقول عمر أبو ريشة معتذرا إلى الله بعد حجه:

أسأل النفس خاشعا : أترى

 

طهرت بردي من لوثة الأدران

 

كم صلاة صليت لم يتجاوز

 

قدس آياتها حدود لساني

 

كم صيام عانيت جوعي فيه

ونسيت الجياع من إخواني

كم رجمت الشيطان والقلب مني

مرهق في حبائل الشيطان

رب عفوا إن عشت ديني ألـ

ـفاظا عجافا ، ولم أعشه معاني

ومن أسرار الحج كذلك أنه يعطي صورة رائعة للوحدة التي يجب على المسلمين أن يسعوا إلى تحقيقها ، فها هم أولاء قد تجمعوا من كل فج عميق ، أبيضهم وأسودهم، شرقيهم وغربيهم ، عربيهم وعجميهم ، غنيهم وفقيرهم لا تجمع بينهم سوى رابطة الدين وحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، يرتدون لباسا واحدا ، ويهتفون هتافا واحدا ، ويرجون ربا واحدا .         قد ضحوا بأنفسهم فعرضوها لمخاطر الأسفار ، وضحوا بأموالهم فأنفقوها راضية بها نفوسهم ، وضحوا بأوقاتهم فاقتطعوا منها أياما وربما شهورا ، وضحوا بقربهم من أهلهم وديارهم وأسواقهم فتركوها في سبيل الله ، وضحوا بجمالياتهم التي كانوا يحرصون عليها ، فتجردوا من كل زينة ليبقوا أياما معدودات بلباس الإحرام المتواضع ، الذي لا مباهاة فيه بين رجل وآخر ، ولا مدعاة فيه لعجب أو رياء أو خيلاء ، وتلك تربية للنفس على بذل كل شيء من أجل إرضاء خالقها تعالى ومحبته ، ليس في الحج وحده ، بل في سائر أيام العمر .

اللهم احفظ حجاج بيتك وأعدهم إلى ديارهم سالمين غانمين .



اترك تعليقاً