الاختلاط في بيوتنا

اتصل بي شاب يبدو من ملامح حديثه أنه حديث عهد بصلاح، وأنه من أسرة جذورها صالحة، ولكن الشاب تدفق عبر الأثير بعبرات الألم، وآهات القهر، إنه يشكو من ظلم ذوي القربى ..

إنهم لم يبخلوا عليه بمال، ولم يردوه عن رغبة، بل أسبغوا عليه من النعم، وأضفوا على حياته مزيدا من الرفاهية ورغد العيش، وكل ما طلبوه منه: أن يكون مثلهم، ولكن في أي شئ؟ أن يقبل بالاختلاط المحرم بين الرجال والنساء، إنه ليس الاختلاط الذي قد يتبادر إلى الذهن في التعليم والعمل والأندية الرياضية الرجالية ونحو ذلك، فهو أمر سلم الله بلادنا منه ولله الحمد والمنة ، ثبتنا الله على هداه.

ولكنه اختلاط من نوع آخر، أشد خطورة وخفاء، فعن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((إياكم والدخول على النساء فقال رجل من الأنصار يا رسول الله أفرأيت الحمو قال الحمو الموت)) رواه البخاري. والحمو هو قريب الزوج أو الزوجة، حيث يؤمن دخوله على النساء لقرابته منها، وهو ليس من محارمها.

ومن ذلك كشف زوجات الإخوة وجوههن ونحورهن ورؤوسهن وربما أكثر من ذلك لإخوة الزوج، وقد يقع بين بعض أولاد الأعمام والعمات، وأولاد الأخوال والخالات، وربما أبت بعض الزوجات ذلك، فيتشدد في الإبقاء على هذه العادة الجاهلية بعض كبار السن من الآباء والأمهات بحجة جمع الشمل، وعدم التفرق في المجالس، ولكن ذلك لا يجوز قطعا، وأي إنسان يصرح بغير ذلك فقد شرع غير شرع الله عز وجل، ولا يجوز إطاعته حتى ولو كان أبا أو أما، يقول الله جل وعلا: {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8)} [سورة العنكبوت 29/8] ، فإن عورات زوجات الإخوة أو زوجات الأعمام والأخوال ونحوهن حرام على إخوة أزواجهن أو أقاربهم من الرجال الأجانب عنهن كحرمة ذلك مع الرجال الأجانب بل أشد.

ويحتج بعض الناس بأن النيات سليمة، وأن الشخص حين ينظر إلى زوجة شقيقه فإنه يعدها في مكانة شقيقته، ونساء جيرانه يعدهن في مكانة محارمه اللاتي يحرم الزواج منهن، وأنه يغار على عرض أخيه، ولكن الواقع فيه من الحوادث ما تشيب له النواصي والقلوب.

وقد مرت بي من خلال الاستشارات مصائب وابتلاءات وقعت في بعض البيوتات التي استهانت بهذا الأمر، ما إذا تذكرته اضطربت نفسي ألما، فقد مست أعراض، واختلطت مياه، وغص الجاني بجنايته، وتتابعت الحسرات بكسر ما لا يمكن أن يجبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وربما لم يعلم بذلك صاحب العرض نفسه. وما ذلك كله إلا بسبب التهاون في أمر من أوامر الله تعالى، أراد عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم أن يحفظ بها العرض والنسل والنسب والنفس.

ومن صور الاختلاط المحرم كذلك ما يسمى بسائق العائلة والنساء، حيث توسع الناس في ذلك، فعندما يستقدم السائق تكون النية ألا ينقل النساء إلا مع محرم، وأنه لا يدخل البيت وإنما يبقى في بيته الصغير في ملحق المنزل، ثم تتوسع الأمور ، فيبدأ التساهل شيئا فشيئا ، حيث يبدأ الأمر بتوصيل النساء وهن في الخلف ومعهن طفل صغير لا تخرق به خلوة، ثم يتوسع أيضا فتذهب المرأة وحدها مع السائق بحجة قرب المكان، والثقة الكبيرة في هذا السائق!! أو بحجة الضرورة التي لا ضابط لها ، أو بحجة الذهاب إلى أماكن مكشوفة من مدارس وأسواق، ثم تجد المرأة والسائق أصبح بينهما من العلاقة ما لا يوجد مثلها بين الرجل وزوجته.. أقصد من حيث كثرة الحديث معه، وإسقاط هيبة الحديث مع الأجنبي . وكم من الحوادث الدامية وقعت بسبب تفريط الرجل في عرضه بحجة الثقة ؟ أوَ يُوثق في النار إذا جاورت الحطب؟ أَوَ يثِق مسلم بخلوة محرمه مع أجنبي بعد حديث رسول الله r: (لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما).



اترك تعليقاً