الإرشاد الطلابي إلى أين ؟

يعيش أبناؤنا وبناتنا في مدارسهم أنسب ساعات يقظتهم للتلقي، فهي تأتي بعد سكون النفس وراحتها، وتتميز بامتدادها وعدم تقطعها، كما تتميز بتوافر جو تعليمي وتربوي يتواجد فيه المعلمون والمربون، ويفترض أن الطالب جاء متهيئا ليستمع ويعي، بخلاف ساعات النهار الباقيات، فهي فترات متقطعة، وتأتي بعد أن استهلكت المدرسة الطاقة الاستيعابية للطالب، والمربيان؛ الأب والأم في شغل شاغل، بين عزيز العمل وتافهه، وحتى يستيقظ الوالدان؛ ليقوما بواجب التربية الذي لا يمكن أن يفوض، فإننا لا بد أن نحمِّل المدرسة والجامعة العبء الأكبر في العملية التربوية إلى جانب العملية التعليمية.

والإرشاد الطلابي موجود في مدارسنا وجودا غير كاف لا عددا ولا كفاية مهنية، كما أنه ليس موجودا في جامعاتنا؛ وإن وجد ما يسمى بالإرشاد الأكاديمي، الذي يعنى بشرح النظام الجامعي للطالب. ولا بد من مراجعته من أجل بناء جيل أكثر سلامة وأمنا، وأقدر على تحمل المسؤولية، وأنقى طفولة وشبابا، وأكثر تفوقا وقدرة.

ومن يقترب من الطلبة في كل المراحل يلاحظ استفحال عدد من المشكلات السلوكية والجنسية بين بعضهم، وضعف في الوازع الديني بين كثير منهم، وإهمال للدراسة في الذكور بالذات، واستهتار بالدراسة وأحيانا بالمعلمين، وجهل بأنظمة الدراسة؛ مما يجعل الطالب أو الطالبة ضحايا، في غياب من التوجيه (العلمي السليم) داخل الأسرة وداخل المدرسة.

ولا يعني ذلك عدم وجود إرشاد طلابي في التعليم العام، بل هو موجود، ويضم نخبة من المخلصين والمخلصات، الذين يرون وجودهم في هذا الخندق واجبا شرعيا ووطنيا يسعدون بالقيام به، ومن لا يشعر بهذه المشاعر فإني أنصحه بالابتعاد عن هذا المضمار.

إن الطالب الذي بين أيدينا ليس آلة تسجيل، إذا تعطلت نقوم بإصلاحها دون النظر إلى محيطها، بل هو إنسان، يقع تحت مؤثرات عديدة، فالبيت يؤثر، والأقران مؤثرون، والإعلام يؤثر، والعادات والتقاليد تؤثر، ونوع الدراسة تؤثر، فلا بد من دراسة كل هذه المؤثرات؛ لنكون أكثر مصداقية في إرشاد الطالب.

وقد تبين في عدد من الحالات يظلم فيها الطالب ويعاقب، ويكون مدفوعا في تصرفه السلبي، أو تأخره الدراسي من وضع معين، أو شخصية مؤثرة في حياته.

ولذلك فلا بد من إعادة تأهيل المرشدين والمرشدات ببرامج فاعلة وقوية، يقدمها أهل الدربة والخبرة، وتتاح فيها الفرص الواسعة لتبادل المواقف والخبرات، وتوضع من خلال نتائجها وتوصياتها الخطط الجادة لتغيير وجه الإرشاد نحو الأفضل والأجود والأشمل.

كما أن الإرشاد مهنة شريفة عظيمة، ينبغي أن يختار لها من يشغلها اختيارا شفافا، بعيدا عن الأنانية والمحسوبية، وأن يتمتع المرشد بصفات عليا؛ مثل التقوى والاستقامة والجدية والمثابرة والتضحية؛ لأنه سوف يكون مخزنا لأسرار الطلاب، والأقرب إلى نفوسهم، فلابد أن يكون أمينا عليها، محبا لهم، يشعر بأبوة حانية، وصداقة حميمة، لا أن يتقمص وظيفة الضابط العسكري المحقق، بل المنفذ للعقوبات بعد ذلك؛ فيكرهه الطلاب، بل يكرهوا حتى الاقتراب منه، وهنا سيفقد (المرشد) خاصية الإرشاد، ومهنيته العالية، وسيتحول إلى عصا في يد المدير، وبذلك تفقد المدرسة كلها قيمة الإرشاد تماما.

إننا نؤمل أن يتسع صدر الإرشاد الطلابي لإنشاء مجلس طلاب ليستمع فيه إلى الصوت الداخلي، الذي إذا كبت ظهر على بوابات دورات المياه، وجدران المدرسة، وفي شكل غيبة ونميمة، وإذا سمع كان فرصة لتطوير التعليم كله.

كما نؤمل أن يستفيد الإرشاد من آلية الجلسة الإرشادية الجماعية، سواء أكان مجموعة من المرشدين يناقشون حالة واحدة، أو جمع أصحاب الحالات في ورشة عمل واحدة ليناقشوا القضية دون تجريح لهم أو اتهام، وغيرها من آليات دراسة الحالة ونحوها.



اترك تعليقاً