تواجه الأرملة الصغيرة تجاهلا لعواطفها ومشكلاتها من أقرب المقربين لها، فكل ما يحدث هو التعاطف معها في أول المصيبة، ثم إظهار العطف عليها بعد ذلك، وإذا كان التصرف الأول منقبة وإيجابية، وتلبية لاحتياج نفسي حقيقي، فإن الآخر مصيبة أخرى تضاف إليها، حيث بتم تعميق الأحاسيس السلبية في نفسها بعدد من الكلمات الحزينة البائسة اليائسة، ونعتها بالمسكينة ورديئة الحظ والفقيرة … في حين هي في أمس الحاجة إلى التعزيز، والمساندة النفسية.
ومن جانب آخر فإن الأرملة الصغيرة تحتاج ـ ذاتيا ـ أن تستشعر الواقع الجديد بعين الحقيقة، وأن أمرا جسيما وقع عليها في شكل ابتلاء واختبار، فإن نجحت فيه وصبرت واحتسبت، أجرت، وإلا فقد فقدت أول قوة تحتاجها في الأزمة التي دهمتها، وقد ورد في الحديث الشريف عن أنس بن مالك رضى الله تعالى عنه قال: ((مر النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة تبكي عند قبر فقال اتقي الله واصبري قالت إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي ولم تعرفه فقيل لها إنه النبي صلى الله عليه وسلم فأتت باب النبي صلى الله عليه وسلم فلم تجد عنده بوابين فقالت لم أعرفك فقال إنما الصبر عند الصدمة الأولى)) رواه البخاري.
إن التأقلم السريع مع الحدث، وتغيير نمط الحياة بما يتوافق مع المستجد، ومصارحة النفس بما هي فيه، بعيدا عن الأحلام، والشعور الخادع، كل ذلك دليل وعي وعقل وثبات، يجعل الإنسان الناجح أكثر قدرة على تغيير قبعاته بكثير من المرونة والاحتراف والمهنية.
ثم تخطو الخطوة الأخرى وهي: تقرير الواقع الجديد، وهو أنها أصبحت بلا زوج، فإن كانت بلا أولاد ولا حمل ـ كذلك ـ فعليها أن تلبث عدتها الشرعية أربعة أشهر وعشرا حدادا؛ امتثالا لأمر الله عز وجل، وتعزيزا من مكانة الوفاء للزوج الراحل، تعود ـ خلالها ـ إلى حياتها النفسية الأولى بالتدرج، بقدر ما تستطيع، فعن زينب بنت أبي سلمة أخبرته قالت دخلت على أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ((لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا، ثم دخلت على زينب بنت جحش حين توفي أخوها، فدعت بطيب فمست، ثم قالت: ما لي بالطيب من حاجة، غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا)) رواه البخاري.
إنه دين الحياة، لا يرضى بأن تصطبغ الحياة بالقتام لأي حدث مهما كبر، بل يعطى الحزن وقته، وتبقى الحياة للجمال والحب والراحة والإنتاج.
ثم لا بد للأرملة من أن تبتعد عن الأوهام، وتكف عن الإعلان عن أنها لن تتزوج وفاء لزوجها الأول، فإن من الوفاء له أن تقي نفسها الزلل بعده، ومما يؤهلها لذلك قبول الزواج من رجل آخر ترضى دينه وخلقه، وهنا قضية أخرى، وهو تسرع بعض الأرامل في قبول أي شخص؛ مخافة ألا يأتي غيره، فربما وقعت في الاقتران برجل لا يناسبها فتجرب الطلاق بعد الترمل، وهذا شديد على النفس.
وإن كانت ذات ولد، فإن كانوا صغارا جدا وقليلين، فلا بأس من الزواج من رجل صالح؛ لأنها في حاجة إلى الزواج نفسا وجسدا، وهو في حاجة إلى أب أو من يقوم مقامه، والحياة ذات تكاليف باهضة تربية ومالا.
وإن كانوا أولادا كبارا وكثيرين، ولا تشعر بأن لها حاجة جسدية أو نفسية للزوج، فلعل الاكتفاء بالزوج الأول خير، وتجعل بقية حياتها لأولادها؛ حتى لا يتشتتون، وتنشب المشكلات المتشابكة في تربيتهم.
والمسألة تعود إليها؛ فالنساء يختلفن في الحاجات النفسية والجسدية، والمواقف.
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.