الأرملة الصغيرة 2

المال المخصص للفقراء والأرامل والأيتام والمحتاجين في أية بلدة بشكل عام، لا يمكن أن يكون كافيا تماما، في ظل تزايد الاحتياجات اليومية، وضغط الواقع الاجتماعي الذي يجر الناس كلهم إلى منطقة واحدة، يتساوون فيها في المظاهر العامة، إلى حد تقاربي كبير، يجعل الضعيف يظل لاهثا خلف القوي؛ حتى لا يكون أقل منه على الأقل في مظهره، مما يؤدي إلى فقد المتعة بالحياة، والقلق المستمر، والشعور بالحرمان الدائم، وربما وقع في التسخط على أقدار الله تعالى.

ولكن الحقيقة هي أن الأرامل الصغيرات هن أكثر المحتاجين والمحتاجات ليكفين ـ تماما ـ كل احتياجاتهن؛ لسد ذرائع الشر، وحتى لا تقبل بالزواج ممن لا يستحقها؛ لتسد عوزها، أو يتذرع المستغلون بحالها؛ ليتسلقوا باب شرفها، وهي محتاجة أن تتفرغ للعناية بأولادها، وإن استطاعت الأرملة أن تعمل فلتعمل بقدر ما تستطيع في مأمن على عرضها ونفسها وأولادها، لتكف يديها عن الحاجة للناس، أعطوا أو منعوا.

على أن على الأهل والأقارب وربما الجيران واجب الاهتمام والرعاية بها وبأطفالها، حتى لا تحتاج إلى غيرهم لو استطاعوا.

وللأرملة حاجة أخرى؛ وهي المتعلقات بوفاة زوجها، من صك وفاة، وحصر ورثة، وتوزيع إرث، ونفقة دائمة على الأيتام، وتنمية أموالهم، وكثير من احتياجاتها هذه لدى المحاكم، وربما تكون متعلقة بمحام، أو وكيل شرعي، والجهات الشرعية أولى الجهات حرصا على إقامة شرع الله تعالى، وتنفيذه الفوري، وعدم تأجيل البت في قضاياها، بل وعدم اضطرار الأرملة أن تخرق عدة الوفاة بخروج إلا للضرورة القصوى، ونحن الآن في فترة تطوير القضاء، والجودة في الأداء، فلماذا تتأخر هذه المناحي المهمة في التعامل مع الجمهور، ولا سيما حين تكون أرملة مصابة مكلومة في أقرب الناس إليها، وقرين عشها، إنها تحتاج فعلا إلى أن يخصوها بمزيد اهتمام؛ بتعجيل معاملاتها، وتنفيذ الأحكام الخاصة بها. على أني أحثها على أن تتعرف على حقوقها وواجباتها؛ كي تؤدي الذي عليها، وتأخذ الذي لها دون أن تحدث مشكلات إضافية.

كما يجب أن تتنبه الأرملة لمعاملاتها المالية جيدا؛ حتى لا تستغل من أي شخص قد يبدي اهتمامه بها، أو شفقته عليها وعلى أولادها، وهو يخطط للحصول على نصيب من إرثهم جميعا سواء له أم لغيره.

وفي اتجاه آخر فإن الأرملة كأي إنسان؛ صغيرا كان أم كبيرا، يحتاج إلى مشورة، وربما إلى توجيه، وليس هذا من فرض الوصاية عليها، بل هو من باب مشاركتها في بناء حياتها، بعد التحول الرهيب الذي حدث لها. وليس ثمة ازدواجية بين الولاية عليها وولايتها التأديبية على أولادها، ، فللأرملة ولي يقوم بشؤونها ويخدمها، ولها هي حق الأمومة على أولادها.

وليتق الله تعالى كل من يقوم على مال أرملة أو يتيم، فقد قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً} [سورة النساء:10].

وقد يكون الإنسان في هذا الوضع في أية لحظة.. ألم يقل الله تعالى: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً} [سورة النساء: 9]. 

وأخيرا .. هذه همسة في أذن كل أرملة صغيرة ..

.. إن الحياة من حولنا ملأى بالجمال، وعلينا أن نفتش عنه بين ركام الآلام، فبقاء الزوج حيا نعمة، ولكن ليس دائما، فقد كنت أسمع ـ قبل مدة يسيرة ـ زوجة تدعو على زوجها بالهلاك لسوء خلقه وفساد تمسكه بدينه، ورب أرملة أسعد من متزوجة، ولعل في المصيبة نقلة إلى ما هو أجمل وأعظم أجرا. وربما يكون الترمل دافعا قويا لتربية مثالية للأولاد؛ ليكونوا من عظماء الدين والدنيا. وعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا.



اترك تعليقاً