بعد أن استعرضت ـ في الحلقة الماضية ـ عددا من الجهات التي كان يتوقع منها أن تقوم بواجب التأهيل للحياة الزوجية للشباب، فإني أستعرض الأنموذج الأمثل الذي يجب أن يكون عليه التأهيل من عدد من الجهات.
أولا: الأسرة: فالأسرة المسلمة مسؤولة عن التربية والتعليم في آن واحد، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “إنما أنا لكم مثل الوالد أعلمكم أمر دينكم” رواه الدارقطني وصححه، والبخاري بلفظ قريب منه، وهي ـ في عصرنا الحاضر ـ مستهدفة من أعداء الإنسانية السوية، ولذلك عقدوا لها المؤتمرات، ونادوا بما يمزقها، ويبعثر الأمان بين ضلوعها.
وفي جانب التثقيف الزواجي لعل الأسرة أول من يلقى عليه هذا العبء؛ لتقوم بتأهيل أبنائها وبناتها للحياة الزواجية كما تقوم بتأهيلهم للحياة العملية والنجاح في الحياة بشكل عام، ولكن الدراسات تؤكد رغبة الأسرة في أن تتحمل المدرسة عنها هذا العبء؛ منعا للإحراج، وانسياقا وراء النسق الاجتماعي السائد، الذي يتجاهل الحقائق، ويواريها، على الرغم من كونها معاشة وذات أهمية بالغة. وقد جد في الحياة الاجتماعية ما لم يكن في حياة الآباء والأجداد؛ مما يتطلب تحديد موقف جديد، وتصرف خاص للتعامل معها.
بينما كان من الواجب على الأسرة أن تدفع ببناتها وأبنائها إلى الحرص على التأهل لحياة ممتدة بإذن الله، من خلال ما يقام من برامج تدريبية في المراكز المختصة، أو قراءة الكتب والاستماع إلى الصوتيات والمرئيات الموجهة في هذا التخصص. بل من خلال الأنموذج الجيد الذي يراه الابن والابنة في حياة الأبوين/ الزوجين. ولا شك أن الاقتداء هو أسرع وأسلم وـ أيضا ـ أخطر أنواع التعلم على الإطلاق.
ثانيا: الخطباء والدعاة عبر مختلف المنابر: فلا تزال الكلمة الواعظة الممزوجة بالوحيين لها سحرها وتأثيرها في نفوس المسلمين، وإن كثيرا من الخطباء يتحدثون في أمور كثيرة مهمة، من عقائد وعبادات، ولكن يقصرون في الجانب الأسري، والذي يمثل البيئة التي يعاش فيها الدين، فأي خشوع في قلب من يغلي الهم في قلبه بسبب قلق المعيشة مع زوجه؟! وأي مستقبل مستقيم يرجى لأسرة لا تجيد التعامل مع أطفالها ومراهقيها؟! وكان جديرا بخطبائنا أن يركزوا على هذه الموضوعات ليسهموا في حماية المجتمع من التفكك والشتات. وفي بث الوعي الأسري في مجال العشرة الصالحة، والتربية القويمة للأجيال، والبر الوفي للوالدين، والتواصل بين الأرحام. وإن لفت أنظار الشباب إلى حسن اختيار الزوجة، وإقناعهم بضرورة الاهتمام بالتوافق الجسدي والسلامة من الأمراض المعدية أو الوراثية، ومن ثم الاستعداد للتكيف النفسي بين الزوجين، ليمهدوا الطريق أمام المراكز المختصة لتنهض هي بالتدريب على المهارات اللازمة لذلك.
كما أن مما ينتظر منهم الحديث عن الحقوق والواجبات بين الزوجين؛ لكون الجهل بها يعد أحد أسباب الطلاق. ولعل العامل المالي يعد معولا حقيقيا في هدم الحياة الزوجية إذا لم يحسن فهمه وتنظيمه بين الزوجين، خاصة إذا كانت المرأة تعمل مثل الرجل.
ثالثا: المدرسة والجامعة: فإذا كانت المدرسة والجامعة تؤهل للحياة الوظيفية التي لا تتعدى ثلث اليوم، أليس من الطبيعي أن تسهم في التأهيل لبقية حياة الإنسان التي تؤثر تأثيرا بالغا على إنتاجه؟!.
لقد أقدمت كل من قطر والكويت على ذلك بشكل مباشر، ولعل التجربة تدرس، وتطور بأيدي مختصين وخبراء؛ ليستفاد من تطبيقاتها في بلادنا.
ولكي تنجح الثقافة المدرسية في الإسهام في تأهيل الشباب والفتيات فلا بد أن تكون قابلة للتعديل حسب مقتضيات العصر لا جامدة، ووضع مقررات منفردة عن المناهج الأخرى تعنى باختيار الزوج، والخطبة، والزواج والطلاق والنفقة؛ من الناحيتين: الشرعية والاجتماعية، وتركز على إدارة الأسرة تربويا وماليا بجميع مسؤولياتها، وتهتم بالثقافة الجنسية بشفافية وحياء وعدم ابتذال، وأن يكون الطرح مهاريا وليس نظريا فقط.
د. المراكز المختصة: ولعل من الطبعي أن نصل بعد كل هذه الرحلة إلى أهمية وجود جهات مختصة بتأهيل أفراد الأسرة جميعهم لحياة سعيدة هانئة متوافقة، وقد انتشرت في الآونة الأخيرة مراكز مختصة تحمل مسمياتها رعاية الأسرة أو التنمية الأسرية، مما يشير إلى اختصاصها فيها، وأصبح للتنمية الأسرية قسم خاص في وزارة الشؤون الاجتماعية، ولا غرابة أن تعتني الدولة رعاها الله بالأسرة وهي التي جعلتها المادة العاشرة من النظام الأساس للحكم: (تحرص الدولة على توثيق أواصر الأسرة)؛ لتؤدي دورها بشكل أشمل وأكمل بإذن الله تعالى.
وننتظر صدور قرار إلزام الشباب بالتأهيل الشامل للزواج.
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.